الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مقاربة عراقية لمرض الشعوب

بواسطة azzaman

مقاربة عراقية لمرض الشعوب

كامل عبدالرحيم

 

يولد الإنسان ومعه قنانيه. تلك القناني غير المرئية التي تحتوي على كميات أولية من الحب والكراهية، من الذكاء والغباء، من النشاط والكسل. ويبدو أن كل واحد منا مزود بإعدادات مختلفة قليلاً، قابلة للتعديل أحياناً بالعائلة، وبضغوط الحياة، وبما تفرضه الأيام من قسوة أو حنوّ.

 ويصح تشبيه تلك الكميات بالقنانيأو كما يُقال لها محلياًبَطَل” — فنجدبطل الحبعند البعض فارغاً بالكامل، وربما مملوءاً عن الحد حتى يتورط صاحبه بعلاقات لا تنتهي، وأكثرها من طرف واحد. بينمابطل الكراهيةقد يكون ضامراً فيُنتج شخصية متسامحة حتى الغثيان، أو متضخماً حد الانفجار، كأنه مفاعل نووي يتفاعل باستمرار مع كل استفزاز، ويجعل من صاحبه خزان حقد متحرك.

وتمتد هذه النظرية — ”نظرية القناني غير المستطرقة” — إلى الشعوب أيضاً. فمثلما يُولد الفرد بإعداداته، تولد الشعوب كذلك، وتُجهَّز بقناني عملاقة: للوهم، وللعقل، ولروح المغامرة، ولنزعة الاستقلال أو التوسع. وتلك القناني إما أن تُملأ بالحكمة أو تُترك فارغة تعبث بها الأوهام.

 ويشير الكاتب، بصدق مؤلم، إلى القناني العراقية. حيث تضخّمبطل الوهمحتى صار أوسع من العراق نفسه، فيما تضاءلبطل العقل، بل ربما سُرق أو جفّ، أو شربته شعوب أخرى في لحظة تشوّش. لا يُراد من هذا جلد الذات، بل تشخيص المرض، كما يفعل الأطباء مع أجساد الموتى في محاولة لإدراك سبب الوفاة. ويتذكّر الكاتب هنا الدكتور علي الوردي، الذي رأى المرض فيازدواجية الشخصية العراقية، المتأرجحة بين بداوة وحضارة. وقبل الوردي، كان كلكامش، أوّل من سعى لعلاج مرض الفناء بعشبة الخلود، لكن رحلته كانت خاسرة كرحلات كل من يبحث عن المستحيل.

 ويعود الكاتب إلى حيث بدأ، مشيراً إلى أن العلاج قد يكون عبثياً، كمنيخوط بصف الاستكان”. فهو، في قراءته المتكررة للتاريخ الإسلاميتحديداً كتب الشخصية المحمدية لمعروف الرصافي، وآخر أيام محمد لهالة وردي، ورب القبائل لجاكلين الشابييصطدم بتناقضات صادمة لا تحتمل المنطق.

ويكتشف، في لحظة مريرة، أن المشكلة ليست في ما يقرأ، بل في ما يبحث عنه؛ إذ لا منطق في سرديات تُبنى على الإيهام، لا على العقل. بينما الآخرونأي الناسلا يريدون منطقاً، بل وهماً يُخدّرهم عن واقع لا يرحم.

ويُحيلنا مجدداً إلىبطل الوهم، هذا المصباح السحري الذي يفركه الناس كلما اشتد بهم الإحباط، فيخرج المارد، لا ليحلّ الأزمات، بل ليُعيد إنتاجها بمسرحية جديدة.

 ويبقى السؤال: من يعالج هذا الخلل؟ من يُعيد تعبئةبطل العقل؟ أهو من قمة السلطة مثل جلجامش؟ أم من نخبة فكرية كعلي الوردي؟ أم من حلم ثائر مثل خالد أحمد زكي ورياض البكري؟ أم من شباب تشرين والحبوبي؟ أم من الخارج؟

 لكن ماذا لو جاء المارد، لا بالعقل، بل بكابوس أكبر من الوهم نفسه؟ ماذا لو ندمنا وقلنا: “ياليتنا أقفلنا بطل الوهم عليناولم نواجه الحقيقة”.

 

 

 


مشاهدات 29
الكاتب كامل عبدالرحيم
أضيف 2025/07/06 - 1:32 PM
آخر تحديث 2025/07/07 - 6:31 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 154 الشهر 3593 الكلي 11157205
الوقت الآن
الإثنين 2025/7/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير