الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الاتفاق الأمريكي الصيني.. تحول دبلوماسي أم تراجع تكتيكي؟

بواسطة azzaman

الاتفاق الأمريكي الصيني.. تحول دبلوماسي أم تراجع تكتيكي؟

نبراس المعموري

 

بعد أول لقاء مباشر بين كبار المسؤولين الاقتصاديين الأميركيين والصينيين منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة، وإطلاقه حملة رسوم جمركية شاملة، خاصة ضد الصين، اعلن مؤخرًا عن التوصل إلى اتفاق تجاري مؤقت بين البلدين. ينص الاتفاق على تخفيض كبير في الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة 90 يومًا؛ حيث خفضت الولايات المتحدة الرسوم على الواردات الصينية من 145% إلى 30%، بينما خفضت الصين الرسوم على السلع الأميركية من 125% إلى 10%، مع تعليق إضافي لرسوم بنسبة 24%. ومع ذلك، لم يشمل الاتفاق رفع الرسوم عن قطاعات رئيسية مثل الصلب والألمنيوم والسيارات، ولا تلك المفروضة على الصين خلال ولاية ترامب الأولى.

يمثل هذا الاتفاق تحولًا مهمًا في مسار الاقتصاد العالمي، نظرًا لأن الحجم الإجمالي لاقتصادي الولايات المتحدة والصين معًا يبلغ نحو 50 تريليون دولار، أي ما يعادل قرابة 45% من الناتج الاقتصادي العالمي. ويستند هذا التعاون إلى تاريخ طويل يعود إلى عام 1979، أفضى إلى تبادل تجاري سنوي يبلغ 582 مليار دولار. كما استثمرت الشركات الأميركية في السوق الصينية نحو 127 مليار دولار في عام 2023، في حين بلغت استثمارات الشركات الصينية في الولايات المتحدة نحو 23 مليار دولار في العام نفسه.

وقد رحبت الأسواق العالمية بهذا الاتفاق فور الإعلان عنه، إذ شهدت الأسواق الأوروبية والآسيوية انتعاشًا ملحوظًا. وارتفعت أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل أمازون، بنسبة 7.4% مدفوعة بآمال تراجع التوترات التجارية. كما خفّضت مؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس” احتمالات حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة من أكثر من 50% إلى 35%، وتم تعديل توقعات التضخم نزولاً إلى 3.4% بحلول الربع الرابع من العام، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 4%. وقفزت العقود الآجلة لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 3.1%، وارتفع مؤشر “ناسداك” بنسبة 3.6%، بينما صعد مؤشر “داو جونز الصناعي” بنسبة 2.4%.

لغة الأرقام تدفعنا إلى التساؤل: من هو الرابح الحقيقي من هذا الاتفاق؟ لا سيما بعد موجة التصعيد الإعلامي والتجاري بين الطرفين قبيل الإعلان عنه، وخصوصًا في ظل تصريحات شركات صينية عن أن العلامات التجارية الأميركية والغربية التي تهيمن على الأسواق، لا تكلف إنتاجها شيئًا، لكنها تباع بأسعار باهظة. ومن الصعب اليوم أن تجد منزلًا أميركيًا يخلو من منتجات صينية، وهو ما يجعل توقيع الاتفاق بهذه السرعة بمثابة نصر معنوي مهم لبكين، حتى وإن لم يكن مكسبًا تجاريًا خالصًا.

ورغم اتفاق الطرفين على استئناف المفاوضات خلال فترة التهدئة، وتعيين سكوت بيسنت (وزير الخزانة الأميركي) وجيميسون غرير (الممثل التجاري الأميركي) كممثلين عن واشنطن، وهي ليفينغ (نائب رئيس مجلس الدولة) كممثلة عن بكين، فإن التحديات لا تزال قائمة. فما زالت الرسوم الجمركية عند مستويات تاريخية مرتفعة، ما قد يواصل الضغط على الأسعار والنمو الاقتصادي. كما أن الاتفاق الحالي يبقى مؤقتًا، في ظل العديد من القضايا العالقة، ما يلقي بظلال من الشك على إمكانية الوصول إلى تسوية شاملة ودائمة.

ختاما.. يشكل الاتفاق التجاري بين واشنطن وبكين فرصة لالتقاط الأنفاس، وتراجعًا دراماتيكيًا عن مسار تصعيدي هز الأسواق العالمية ورفع الأسعار منذ عام 2018. وهو خطوة إيجابية في طريق تهدئة التوترات التجارية، وتحسين التوقعات الاقتصادية على المدى القصير. إلا أن التحديات المستمرة والرسوم المرتفعة تضع الاتفاق موضع تساؤل، خصوصًا في ظل إخفاق الصين في الالتزام باتفاق “المرحلة الأولى” الموقع عام 2020. وبالتالي، يبقى تنفيذ هذا الاتفاق مرهونًا بجدية الطرفين، وبتحول التهدئة المؤقتة إلى مسار تفاهم طويل الأمد.


مشاهدات 46
الكاتب نبراس المعموري
أضيف 2025/05/13 - 2:51 PM
آخر تحديث 2025/05/14 - 9:21 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 532 الشهر 17145 الكلي 11011149
الوقت الآن
الأربعاء 2025/5/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير