قصة قصيرة
شذرات روزا ... أو سلسبيل أزهار الخير
رشيد سكري
عبر هذه البوابة الضيقة ، وعبر هذا الشباك الزاهي بأطياف العشق ، كان ملمسها ناعما ، كنتف القطن المغسول بماء المطر .
روزا ...
كعادتها الدؤوب ، ومنذ ثلاثين عاما ، تحمل رشاشا نحاسيا مترعا بماء فرات ، وتطوف كنحلة مطنان على أزهار الخريف .
أزهار تسبح في ممر ضيق في لون البحر ، وفي شرفة مطلة على ساحة شرفية ذات أبواب سبعة تروي سلسبيل أحداث يحفظها التاريخ في حبه المقرور . في روندا ، أو في أماكن أخرى كلها تلهج بعشق أكبر .
روزا تتملى ، تحت أشعة الشمس الدافئة ، نباتات نادرة ، جلبها المعتمد ، حفيدها الأصغر ، من أحد المتاحف التي تعرض تراثا عربيا بالأندلس ... مجسمات ، وأوان عتيقة ، وشواهد روامس قديمة تشي بفتوات صبوية متوارية وراء غيم .
بالملمس الناعم نفسه ، وبالفم الأثرم ذاته ، تصيح روزا :
هذه زهرة الكروتون ...
أو الكروتونيا ، التي تربطني بأساطير حكماء الصين ، عندما عبروا المكان بخيولهم البرية ، ودسوها في نتوءات جبال شاهقة وحادة وراء غيم كثيف ، يحجب الرؤية والرؤيا معا . كنت ألعب صغيرة مع قطط وديعة تحملني إلى فردوس ؛ الحلم الزاهي ، الذي يكبر فينا يوما عن يوم .
الكروتون في صفحة اليد الناعمة ، ونسيمها الساخن يعبق بها الفضاء ... إنها يا معتمد ُ تشفي القلب العليل .
وهذه تزانيا ...
ذات اللون الأرجواني حبيبي اللون ذاته ... عشقها يا معتمدُ دام سنين طويلة . ونبتت بين صلب و ترائب . تزانيا الزهرة التي تولد خارج القلب وتكبر بداخله ... شبيهة بالبنت البكر تولد خارج المتعاهدين وتكبر بداخله.
في منتصف العمر كانت روزا احمل عشقا كبيرا للمطر الذي يغسل الوجوه ، ويسيل في الطرقات . فكلما زاد عشقها لهذا الوجود تجلب كرنفالا من الورود والزهور ... فتبنيلها مشاتل من الطين الأحمر ، وتجففه عند الظهيرة فوق السطيح الأملس .
كان المعتمد كلما أبصرها ، وهي منفوشة الشعر ، ملطخة ببقايا الورود والطين ، يغني على موال أندلسي مطلعه :
ـ روزا يا نبتة الليل
ـ متى ينبلج صبح ... ويعن في أفق بعيد ...
تغمرها سعادة ، فتطير من الفرح والحبور ... وتنهمر على المزيد من العطاء و الغرس الشديد .
في طنجة إحدى المدن الباكية من وراء سلب ، كانت روزا ... تائهة في دروب مظلمة مدلهمة ... قبل يوم السقوط ... فبحثت عن أسفار قديمة تحكي الأزلية أو سيف ذو يزن أو أساطير عنترة العبسي العبد ، الذي حجز لنفسه رقعة على أستار الكعبة ... فمشى وراءها علها تعيد قراءة هذا التراث المعفر بالأديم القديم .
تجلس في المساء وراء الزهور وتتنفس حرارتها ، وهي ترى في المعتمد الملك الذي أضاع الصولجان ... يا معتمدُ يا حفيدي عد إلى بالحب والوعد والوعيد ... فالناس سحلوا على أعتاب المساجد و دفنوا قبل أن ينبلج صبح جديد .
تقوم روزا وتقعد القرفصاء ، ويديها الناعمتين تحزم بهما شعرها الأشمط ... وتبكي حزنا
لفراق وشيك .