وللشعراء فنونهم
حسين الصدر
-1-
اذا كنّا نتبرمُ بالقيل والقال فانّ ذلك لا يعني بالضرورة التبرم بما يَصُوغُه الشعراء من الحوار ، فيقال لهم ويقولون ، ويعكسون ذلك في قوافيهم .
-2-
وقد يلجأ الشاعر الى اختيار صيغة حوارية للتعبير عما يُريد ، وانْ لم يكن ثمة من محاوِر .
فقد لا يكون الحوار حقيقياً ، وانما هو حوار مفترض .
-3-
ان الشعر لا يجري على نحو واحد ونمط معيّن .
ومن فنون الشعراء تلوين أشعارهم .
وفي هذا السياق تأتي الحوارات الشعرية .
-4-
ونورد بعض الشواهد الشعرية للوقوف على مدى ما تحظى به عند المتلقين .
ولنبدأ بما قاله أبو نواس عن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
قيل لي أنتَ أوحدُ الناس طُرّا
في فنونٍ مِنَ الكلامِ النَبِيهِ
لك مِنْ جوهرِ الكلام بديعٌ
يُثمر الدّرَ في يَديْ مُجْتنيهِ
فعلى ما تركت مدح ابن موسى
والخصالَ التي تجمعن فيهِ
قلتُ : لا استطيعُ مدحَ إمام
كان جبريلُ خادماً لأبيه
راجع وفيات الأعيان / ج2 /433
لقد كان للصيغة الحوارية وقعُها الكبير ، وزادت الأبيات حسنّا على حُسن.
ويورد (احمد بن ناصر) ت 816 هـ حواراً دار بينه وبين احدى النساء وصاغه على النحو التالي :
ولمّا رأتْ شَيْبَ رأسي بَكتْ
وقالت : عسى غير هذا عَسَى
فقلتُ : البياضُ لباسُ المُلوك
فانّ السوادَ لباسُ الأسى
فقالت : صَدَقْتَ ولكنّه
قليلُ النفاق بِسُوقِ النِسا
راجع الضوء اللامع ج2 /205
لقد أضفى الحوار هنا جمالية ملحوظة جعلت النص جميلاً أخّاذا
ويقول الشهاب – الحجازي ( احمد بن محمد) ت 875 هـ
قالوا اذا لم يخّلف مَيتُ ذَكَراً
يُنسى فقلتُ لهم في بعض أشعاري
بَعْدَ المماتِ اصحيابي ستذكرني
بما أخلّفُ مِنْ أولادِ أفكاري
وقد نجح الشاعر في ردّ المقولة الشائعة:
ان الرجل اذا لم يترك وَلَدَاً ذكراً يُنسي ، فقال :
انّ اولاده أفكاره وسيُذْكرُ بأفكارِهِ وآثارِهِ .
وقال احمد بن محمد المخزومي ت 860 هـ :
وضريرٍ قال لي اذْ أظلمت
مقلتاهُ وسختْ بالعبراتْ
طَرْفِيَ البحرُ ودمعي دُرّةٌ
قلتُ : لكنْ هو بَحْرُ الظلماتْ
راجع المصدر السابق ج2 ص 92
والحوار هنا لا يخلو من إمتاع ...
-6-
واذا كانت الشواهد السابقة لشعراء تفصلنا عنهم قرون عديدة ،
فمن المستحسن أنْ نورد شاهدين لشاعرين معاصرين لكي نصل الماضي بالحاضر :
قال السيد احمد الصافي النجفي :
راحَ يقوى على المدى إيماني
فَبِرَبي قد امتلا وجداني
قيل لي : هل عرفتَه بدليلٍ
أو بِحِس شهدتَهُ أو عَيانِ ؟
قلتُ كلا ايمانُ قلبيَ أقوى
مِنْ دعاوى الحواسِ والبرهانِ
واضحٌ لي وضوح روحي وعقلي
ماثِلٌ في مداركي ككياني
وقد وُفِقَ في هذا الحوار أيما توفيق .
وقال كاتب السطور :
يا باعةَ العدل والانصافِ هل لكُمُ
مِنْ عَوْدةٍ لرحابِ الحقِّ والدِينِ
قالوا : وأيُّ اعوجاج في سليقتنا
فقلتُ : داؤكم فقدُ الموازينِ
ونترك التعليق للقارئ الكريم .
ولا تتسع هذه المقالة العجلى الى مزيد من الشواهد