اللذة الفريدة
حسين الصدر
-1-
اذا كان الدنيويون – وما أكثرهم – لا يملون من أنْ يطرقوا أبواب ذوي السلطة والجاه والثروة ، فانّ المؤمنين لا يطرقون الاّ بابا واحداً ، وذلك هو باب الخالق العظيم الذي فتحه أمام عباده دون أن يصد منهم أحداً على الاطلاق .
-2-
انّ الشكوى الى المخلوق مرّة المذاق ، ذلك انها تُظهر حاجته وضعفه وقد تؤدي به الى ان يذوق كؤوس الصد والحرمان، بخلاف الشكوى الى الله ، فانها تملأ النفس أملاً ورجاءً وثقةً بأنها لن تخيب ، لأنها ترفعُ لربٍ رحيم عظيم قادر لا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء ، وهو يُقبلُ على عبده اذا أقبل عليه، ويلبي نداءه ، ويجبر انكساره ، ويقضي حاجته.
-3-
وللصلة بالله ومناجاته لذةٌ لا تقاس بها اللذائذ المادية، وايُّ لذة أكبر من سكينة النفس وارتياح الضمير ؟
-4-
ويحكي أنّ أحد الرجال الاغنياء طلب من أحد العلماء حلاً لمشكلة كان يعاني منها ، فلقد كان محباً لزوجته للغاية ، وكانت لا تستجيب له حين يدعوها الى أداء الصلاة ...
وكان يخشى أنْ تُسلب منه النعم الالهية مع اصرارها وعنــــادها على العصيان .
فاقترح عليه العالِم إغْرَاءَها بالمال وقال له :
خصصْ لها جائزةً نقدية في كل يوم حين تؤدي صلواتها
وهكذا كان
وخصص الرجل ليرة ذهبية لزوجته اذا أدّت صلاتها اليومية .
واستجابت المرأة وبدأت تصلي ، وكان زوجُها يسارعُ الى تقديم الليرة الذهبية لها .
وكانت تضع ما يُقدّمه زوجها في كيس خاص .
ولم تمض الاّ فترة زمنية قصيرة واذا بها جاءت ومعها الكيس المليء بالليرات ودفعته الى زوجها وقالت له :
اني أصلي لربي لا للمال ...
وخذ هذا الكيس فلا حاجة لي فيه .
انّها قالت ذلك حينما ذاقت لذة العبادة .
-5-
انَّ البعيدين عن رحاب الطاعة والصلة بالله ومناجاته يحرمون أنفسهم من اللذة الفريدة التي تضفي على أنفسهم كل ألوان الطمأنينة، فهم يعيشون في قلق واضطراب نفسي، يهربون معه الى الارتطام بما يزيدهم بعداً عن الله ..!!
-6-
يقول ابن الجوزي في تاريخه ( المنتظَم في تاريخ الملوك والامم ) ج17 ص265:
أنشدني احمد بن محمد ( ت 525 )
قوله :
ليست ثوب الرجا والناس قد رَقَدُوا
وقمتُ أشكو الى مولايَ ما أَجِدُ
وقلتُ : يا عدتي في كل نائبةٍ
ومَنْ عليه لِكَشْفِ الضُرّ أعتَمِدُ
وقد مددتُ يدي بالذُلِ صاغرةً
اليكَ يا خيرَ مَنْ مٌدتْ إليهِ يَدُ
فلا تَرُدَنَّها يا رب خائبةً
فبحرُ جُودِكَ يروي كلَّ مَنْ يَرِدُ
نعم انّ معين الجود الالهي لا ينضب ، ولن يُخيّبَ اللهُ الوافدين عليه والمتطلعين الى عونه وبركاته .
-7-
انّ الصلة العميقة بالله مفتاح الارتياح والنجاح، والفوز في الحياة الدنيا وفي الآخرة .