خسرنا مباراة .. وكسبنا منتخباً

إسماعيل محمود العيسى

خسر المنتخب العراقي أمام شقيقه الأردني بهدفٍ دون مقابل في بطولة العرب، لكن الغريب أن كثيرين خرجوا من المباراة وهم يشعرون بالفرح لا الخيبة، لم تكن فرحة نتيجة؛ بل فرحة أداء، ولم تكن نشوة فوز؛ بل اطمئنان إلى أن هذا المنتخب يسير في الطريق الصحيح، طريق التجانس والتكاتف.

في كرة القدم، ليست كل خسارة إخفاقًا، وليست كل نتيجة صفرية نهاية الحكاية، أحيانًا تكون المباراة مرآة تكشف ما هو أعمق من لوحة النتائج، وما شاهدناه اليوم هو منتخب يلعب كفريق، لا كمجموعة أسماء، منتخب يعرف بعضه بعضًا داخل الملعب، يتحرك بتناغم، يتراجع سويًا، ويهاجم بروح واحدة.

رغم الهفوات الدفاعية التي لا يمكن إنكارها، ورغم غياب الهداف البارع الذي يُعوَّل عليه في ترجمة الفرص، إلا أن المنتخب العراقي قدم صورة مختلفة عمّا اعتدناه في فترات سابقة؛ لم يكن هناك تشتت، ولا فوضى، ولا انهيار نفسي بعد الهدف، بل استمر الأداء متماسكًا، واستمر الإصرار حتى صافرة النهاية؛ وهذا بحد ذاته مكسب كبير.

التجانس في كرة القدم لا يُقاس بعدد الأهداف، بل بقدرة اللاعبين على قراءة تحركات بعضهم، وبالثقة المتبادلة بينهم، وبالروح التي تجعل اللاعب يركض من أجل زميله قبل أن يركض من أجل نفسه؛ هذه العناصر هي التي تصنع المنتخبات الكبيرة، حتى وإن تأخر الحصاد في البداية.

منتخب الأردن فاز، نعم، لكنه واجه منتخبًا عراقيًا صعبًا، منظمًا، يعرف ماذا يريد، ويعرف كيف يدافع وكيف يصل إلى مناطق الخصم، أما المنتخب العراقي، فقد كسب ما هو أهم من ثلاث نقاط: كسب الهوية، هوية فريق قادر على البناء، لا على ردّ الفعل فقط. في عالم الكرة، الأهداف تُسجَّل، وتُهدر، والبطولات تُربَح وتُخسر، لكن التجانس إذا تحقق يصبح أساسًا ثابتًا لأي نجاح قادم. الفرق التي تُتوَّج لا تُصنع في مباراة واحدة، بل تُبنى عبر سلسلة مباريات تُختبر فيها الروح قبل المهارة، والانضباط قبل الفردية.

ما نحتاجه اليوم ليس جلد اللاعبين، ولا التقليل من قيمة الأداء، بل دعم هذا الاتجاه، وتعزيز الثقة، ومعالجة الأخطاء بهدوء، فالمنتخب الذي يلعب بروح واحدة، سيأتيه الهدف عاجلًا أم آجلًا، وسيجد هدافه، وسيعرف طريقه إلى الانتصار. خسرنا مباراة، نعم، لكننا ربحنا منتخبًا متجانسًا… وهذا، في كرة القدم، بداية الفوز الحقيقي.