الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إستهداف الصوت المدني

بواسطة azzaman

إستهداف الصوت المدني

محمد رسن

 

شهدت الأيام الماضية سلسلة اعتقالات طالت ناشطين مدنيين، وُجهت لهم تهم مشددة تصل عقوباتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد، وهي تهم أثارت صدمة واسعة، ليس فقط لشدة موادها القانونية، بل لكونها تُستخدم ضد أشخاص نشاطهم الأساسي ينحصر في التعبير والرأي والعمل المدني السلمي. هذا التصعيد أعاد إلى الواجهة سؤالاً ظل يتكرر منذ سنوات: لماذا تُعامل الأصوات المدنية بهذه الطريقة؟ وما الذي يدفع السلطة إلى اعتبار الناشط خطراً يستحق أقصى العقوبات؟

الجواب لا ينفصل عن طبيعة التحولات السياسية داخل العراق، فالقوى المتنفذة، خصوصاً تلك التي تمتلك امتدادات خارج الحدود، تدرك أن التيار المدني هو الخطر الذي لا يمكن احتواؤه. فالمدنيون لا ينتمون إلى هيكل حزبي تقليدي، ولا إلى منظومات مسلحة، ولا إلى شبكات المال السياسي. إنهم ببساطة يمثّلون فكرة الدولة الحديثة: دولة القانون، والمؤسسات، والشفافية، والتوازن بين السلطات.

وفي الانتخابات الأخيرة، صعدت احزاب لها اذرع مسلحة بشكل ملحوظ، وحصلت على مقاعد مؤثرة في البرلمان. هذا الصعود جعل أي قوة مدنية مستقلة تُعد منافساً محتملاً قد يكسر احتكار النفوذ السياسي إذا تُركت لتتوسع. فالمدنيون قادرون على كشف ملفات الفساد، وتوثيق التجاوزات، والتحدث بوضوح عن الكومشنات والصفقات، وهو ما تراه قوى النفوذ تهديداً مباشراً لوجودها.

لذلك، يصبح استهداف الناشطين جزءاً من استراتيجية بقاء تهدف إلى:

منع تشكل قوة مدنية منافسة،

إغلاق الطريق أمام أي بديل سياسي نابع من الداخل،

حماية نفوذ قائم على السلاح لا على الشرعية،

وملاحقة كل صوت يمكن أن يكشف ما يجري خلف الستار.

إن ما يحدث ليس مجرد تضييق سياسي، بل محاولة لإبقاء المشهد كما هو، بلا تغيرات ولا مفاجآت. فالقوى التي تستمد قوتها من السلاح والمال لا يمكنها التعايش مع حركة مدنية تعيد تعريف السلطة بوصفها عقداً اجتماعياً، لا ملكية خاصة.

في المحصلة، فإن ارتفاع كلفة الرأي إلى حدود المؤبد أو الإعدام يعكس حجم الهلع من أي مشروع يعيد بناء الدولة على أسس مدنية. وهذا وحده يكشف طبيعة الصراع القائم اليوم في العراق: صراع بين من يريد دولة طبيعية، ومن يريد سلطة مطلقة.

وبين هذين المشروعين، يقف الناشطون في الخط الأول، يدفعون الثمن الأعلى لأنهم يمثلون الخطر الذي لا يمكن شراؤه، ولا إخضاعه، ولا إسكات ضميره.

 

 

 

 

 


مشاهدات 65
الكاتب محمد رسن
أضيف 2025/12/05 - 3:33 PM
آخر تحديث 2025/12/07 - 11:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 385 الشهر 4914 الكلي 12788819
الوقت الآن
الأحد 2025/12/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير