الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نـبــــوءة

بواسطة azzaman

نـبــــوءة

(ثلاثية التجلّي)

جليل إبراهيم المندلاوي

 

-1-

مخالب الدهر

 

تَرَكْتِ الْقَلْبَ يَحْمِلُ نَبْضَ جُرْحٍ

وَيَسْكُنُ فِي صَدَاكِ وَهُوَ يَحْتَضِرُ

ففـي عَيْنَيْكِ يَحتَرِقُ التَّجَلّي

ووجهك فَوْقَ وجه البدر يَفْتَخِرُ

وَيَنْحَدِرُ السُّكُونُ إِذَا ضَحِكْتِ

فَيَغْرَقُ فِي هَوَاكِ العُودُ وَالوَتَرُ

وتَشْقَى الرُّوحُ في أَمَلِ الوِصالِ

إذا ما لامَسَتْ أعماقَها الصُّوَرُ

وتَبْقَى حَيرَةً عَمْياءَ تَهْوي

لِتُدْرِكَ أنَّ هذا الوَصْلَ مُنْتَهَرُ

 

لقَدْ أَغْوَتْ فُؤَادِي ثُمَّ وَلَّتْ

وَخَلَّفَتِ الضُّلُوعَ تَشِبُّ تَسْتَعِرُ

وَمَا بَرِحَتْ بَقَايَاهَا بِصَدْرِي

تُرَدِّدُ: لَيْتَ شَوْقَكَ كَانَ يُغْتَفِرُ

تَعَالَتْ وَاسْتَطَالَتْ فِي غُرُورٍ

وَظَنَّتْ أَنَّهَا بِالهَجْرِ تَنْتَصِرُ

وللأقدار مالت في يقينٍ

ومَنْ يَرْقُص للأقدارِ يَنْكَسِرُ

لِيَشْطَحُ حُلْمُهَا نَجْوَى غُرُورٍ

يُخَادِعُهَا، فَيَنْهَارُ السُّرَى عِبَرٌ

 

تَمَادَتْ فِي التَّكَبُّرِ وَالعِنَادِ

وَلَمْ تَدْرِ بِأَنَّ الدَّهْرَ لا يَذَرُ

سَتَأْتِيَ وَإِنْ طَالَتْ مَخَالِبُهَا

ذَلِيلَةً، وَلِكَسْرِ خُطَاكَ تَعْتَذِرُ

وتَرجِفُ خَطوَةُ العِشْقِ المُعَنّى

إذا ما خانَها في الصَّدقِ مُعتَبَرُ

وَيَعْلَمُ مَنْ يَعي سِرَّ الزَّمَانِ

بأَنَّ الآمِرِينَ سَوْفَ يُؤْتَمَرُوا

وَحَتْمًا هَذِهِ الدُّنْيَا سَتَصْفُو

لِمَنْ فِي النَّازِلَاتِ كَانَ يَصْطَبِرُ

 

 

-2-

عودةُ الذاكرة

 

تَمَادَتْ فِي دِيَاجِيهَا الرَّزَايَا

وَمَا انْفَكَّتْ جُفُونُ الصَّبْرِ تَنْتَظِرُ

بِقَلْبِي مِنْ جِرَاحِ الْهَجْرِ وَجْدٌ

وَأَدْمُعِي عَلَى الْخَدَّيْنِ تَنْهَمِرُ

ففِي يَوْمِ النَّوَازِلِ غَابَ صَحْبٌ

تَبَدَّى فِيهِ مَنْ صانوا وَمَنْ غَدَرُوا

تَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْقَوْمِ حَتَّى

تَجَلَّى زَيْفُ مَنْ بَاعُوا وَمَنْ هَجَرُوا

فَما هٰذِي الوُجُوهُ سِوَى تُرابٍ

وَلِلأَضْدادِ في طَيّاتِها أَثَرُ

 

بِصَدري مِن جبالِ الهَمِّ هَمٌّ

يُذَكِّرُني بصمتٍ أنَّهُ القَدَرُ

فمَا انْفَكَّتْ خُطى الأَيّامِ تُبْدِي

بمَا أَخْفَتْ صُدُورُ القَوْمِ وادَّخَرُوا

فلمّا انكشفَ الضُّرُّ استحالَتْ

جِراحُ اللّيلِ، وانسَلَّتْ بها السُّوَرُ

وحلَّ القَطْرُ بعد القَحْطِ يُهدي

لروحِ الأرضِ ما ضاعَتْ بهِ الثَّمَرُ

ولاذَ إلى دُروبِكَ كلُّ غادِر

كأنّكَ لم تكن… أو أنَّهُ حَجَرُ

 

وجاءتْ حينَ دانتْ لِقِراري

بِلَهفةِ مُقبلٍ لا ليسَ يَسْتَتِرُ

وجاء الدَّهرُ معتذرًا يُغنّي

بألحانِ الشَّجى للحزنِ تَفتقِرُ

ستدرِكُ حينَ تأتي في خُضوعٍ

بأنَّ الخائنينَ لَسَوفَ يَنْحَدِرُوا

فلا يغترُّ مَنْ خانَ المسيرَ

وعاقبةُ بحزمٍ سَوْفَ يَعتَبَرُ

فَهذا الدَّرْبُ لا يَرضى خداعًا

وَلا يَسري بِهِ إلّا مَنِ اصطَبَروا

 

 

-3-

زيف الأقنعة

 

تَعالتْ في غُرورِ الظنِّ لكن

سيُطفِأُ زَيفَها الباغي ويَنْكَسِرُ

فَإِنْ جَاءَتْ وَلَوْ فِي ثَوْبِ زُهْدٍ

سَيَفْضَحُهَا التَّصنُّعُ حين تُختَبَرُ

وَإنْ صاحتْ تُنادي كُلَّ ظِلٍّ

فما يَلوي لها طَيفٌ ولا أَثَرُ

وَيَرجِعُ صَوتُها يَدمى خُطـــاًها

فَتَخشَى المَكرَ والعُقبى وتَنْتَظرُ

لتَسْقطُُ كلَّ أقنِعةِ الخِداعِِ

ويغدو السر مكشوفا ويَنْتَشِرُ

 

ومَهما حاوَلَتْ تَزويرَ دَربٍ

سَتَهزِمُها رياحُ الخوفِ والحَذَرُ

وَتسحَبُها إلَى دَربِ التَّهاوي

كعاهرة تُضَلُّ ثم تُحتَفِرُ

وَتَلقى ذاتَها خَجِلاً وَوَهنـــاً

فَلا صَبرٌ يُعينُ القلبَ لا خَبَرُ

وتَأْتِي بَعْدَ أَنْ تَبْلَى نَوَاجِذُهَا

لِتُخْضِعَ ثُمَّ تَعْصِي ثُمَّ تَحْتَضِرُ

فَتُنهِي المَشهَدُ المَلعونُ قَهْرًا

وَيَنصَاعُ الزَّمانُ لمّا تَزْدَجِرُ

 

سَيَمْضِي العُمرُ لا تَدرِي هَباء

يَهيمُ بلا صَدى، يَعلو ويَنْحَدِرُ

فمَا الدُّنْيَا إِذَا مَالَتْ بِقَلْبٍ

سِوَى دَرْسٍ عسير ليس يُخْتَصَرُ

وما الإنسانُ إلّا ضِدُّ نفسٍ

يُصارِعُهَا، فإن غَلَبَتْهُ يَنْدَثِرُ

فَعِشْ حُرًّا فَإِنَّ الحُرَّ يَسْمُو

ويَصنَعُ مِن علاه المَجدَ وَالعِبَرُ

فَيَومُ الوَهمِ مَهما طَالَ يَفنَى

ويَنبُذُهُ اليَقينُ حين يَسْتَتِرُ

 

 

 

 

 

 

 

 


مشاهدات 28
الكاتب جليل إبراهيم المندلاوي
أضيف 2025/12/02 - 3:05 PM
آخر تحديث 2025/12/03 - 12:09 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 10 الشهر 1549 الكلي 12785454
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير