القمة العربية الأخيرة: تحليل المواقف، الواقع خلف الخطاب، وإمكانية التحالف
عباس النوري العراقي
مقدّمة
القمة العربية الأخيرة شهدت خطاباً أكثر صرامة وحدّة تجاه إسرائيل من كثير من القمم السابقة، خصوصاً في ظل التطورات الأخيرة على الساحة الفلسطينية – غزة – والتدخلات الدولية والإقليمية. لكن السؤال هو: هل هذه الصرامة تمثّل تحولاً حقيقياً على المستويين الميداني والاستراتيجي؟ أم أنها إعادة ترتيب للخطاب تحت تأثير ضغوط الداخل والشعوب؟ وما مدى قدرة الدول المعنية – إيران، العراق، تركيا، باكستان، مصر – على التحول من الكلام إلى الفعل؟
---
مقتطفات من كلمات القادة
إليك بعض المقتطفات الموثّقة من خطب قادة عربية وإسلامية في سياقات متصلة بالقمة أو أقربها:
رئيس مصر، عبد الفتاح السيسي، قال خلال القمة:
> «تصرفات إسرائيل الحالية تعرقل أي فرص لإبرام معاهدات سلام جديدة في الشرق الأوسط… تهدد أمنكم وأمن جميع شعوب المنطقة وتضع العراقيل أمام أي فرص لأي اتفاقيات سلام جديدة، بل وتجهض الاتفاقات السلام القائمة مع دول المنطقة.»
رئيس وزراء قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، علّق:
> «الممارسات الإسرائيلية لن توقف جهود الوساطة التي تبذلها قطر، بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة، لإنهاء الحرب في غزة… الهجوم الإسرائيلي على قيادات حركة حماس … يسهم فقط في تقويض مساعي التهدئة.»
أما باكستان، فقد عبر رئيس وزرائها شهباز شريف عن أن:
> «العدوان الإسرائيلي على إيران غير مبرر وغير مشروع… وتشير باكستان إلى الحق الإيرانيّ في الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة…»
كذلك، أكّد رئيس إيران، مسعود بزشكيان، ورئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، على أهمية التنسيق العربي–الإسلامي لخفض التصعيد ومنع توسّع الصراع.
---
هل هُدّد بـ «ضرب إسرائيل» مباشرة؟
نعم، بعض المواقف كان فيها حديث عن قدرات ردّية وتهديدات محتملة، خصوصاً من إيران، ولكنها غالباً ما تُقدَّم على نحو «ردّ فعل» أو «إن تدخلتم» لا كمبادرة هجومية مُعلنة بصورة واضحة.
أمثلة:
في أكتوبر 2024، هددت هيئة الأركان الإيرانية بضرب البُنى التحتية الإسرائيلية إن ردّت على القصف الإيراني، وتحذير الدول الداعمة لتل أبيب من التدخل المباشر.
أيضاً، ورد خبر أن إيران هددت بضرب شحنات المساعدات العسكرية التي ترسلها الولايات المتحدة لإسرائيل.
لكن من جهة أخرى، لم يُسجّل حتى الآن تصريح من قائد من هذه الدول يقول بوضوح «سنهاجم إسرائيل غداً»، ما يجعل التهديدات أكثر من كونها أدوات ضغط واستراتيجية ردّية، لا مبادرات حربية مفتوحة (حتى الآن).
---
هل هناك تحالف أو محور مواجهة فعلي؟
من الأدلة والتصريحات:
تنسيقٌ عربي-إسلامي ظاهر مِن إيران والعراق ودول أخرى لخفض التصعيد ومنع انتشار الصراع.
باكستان أبدت تضامناً مع إيران في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، ووصفتها بـ «الاستفزاز الصارخ».
لكن من جهة أخرى:
لا توجد دلائل قوية حتى الآن على تشكيل محور عسكري موحّد مخطط له، بمعنى وجود تحالف عسكري تنفيذي بين الدول العربية المُشارِكة للتحرك عسكرياً ضد إسرائيل.
الكثير من التنسيق يشير إلى دعم دبلوماسي، بيانات مشتركة، تضامن إعلامي وشعبي، وربما تحركات سياسية (محاولات لوقف التهديدات أو عدالة السلام أو الوساطة)، لكن ليس تحالفاً عسكرياً موحّداً معلناً.
---
القوة الأمريكية، الضغوط الاقتصادية، والعوامل الواقعية
من المهم أن ننظر إلى الأبعاد الواقعية التي تُقيّد أو تشكل مواقف هذه الدول:
1. القوة العسكرية والفائض التقني:
إسرائيل تمتلك قدرات عسكرية كبيرة، دعم استخباري، وتحالفات مع الولايات المتحدة، وحاملات طائرات، قدرات صواريخ دقيقة، وتفوق جوي في كثير من الأحيان. هذه الميزان يجب أن تُؤخذ في الحسبان من أي دولة تفكر في مواجهة مباشرة.
2. الضغوط الاقتصادية:
الدول العربية تعاني غالباً من أزمات اقتصادية، ديون، ضعف في الاستقرار المالي الداخلي، والتزامات كبيرة للنمو والتنمية.
لا يمكن تحمّل تكاليف حرب طويلة الأمد ما لم تكن هناك موارد ضخمة أو دعم خارجي.
كذلك، الدول المستخدمة للخطاب تكون عرضة لضغوط داخلية كبيرة من شعوب ترى المعاناة اليومية، وتطلب موقفاً واضحاً، وأحياناً يكون الخطاب وسيلة لامتصاص هذه النقمة.
3. العامل الأمريكي والدولي:
أمريكا تلعب دوراً مركزياً: حماية إسرائيل، تقديم مساعدات عسكرية، الضغوط على إيران، وكذا التوازن مع الدول العربية.
كذلك، بعض التصريحات الكويتية والبريطانية والدول الأوروبية تُراقب الوضع وتستخدم الدبلوماسية والاقتصاد كأدوات للضغط.
من جهة أخرى، هناك علاقات بعض الدول العربية مع أمريكا تجعلها متحفظة عن الدخول في مواجهة مفتوحة.
---
التحليل: بين الخطاب والواقع
الصرامة الجديدة في الخطاب بلا شك موجودة، وتأتي نتيجة تراكمات: الهجوم على غزة، استهداف قيادات المقاومة، التطبيع، والممارسات التي تُعتبر من الأطراف العربية متهورة أو مستفزة.
لكنّ التحوّل إلى مواجهة عسكرية مفتوحة أو تحالف ميداني يتطلب ليس فقط رغبة سياسية، بل تأمين الإمكانيات اللوجستية، الدعم المالي، التنسيق الاستخباري، والتغلب على العقبات التي تضعها الولايات المتحدة وحلفاؤها.
غالبية الدول حتى الآن تحاول الموازنة بين:
1. تلبية المطالب الشعبية التي تريد موقفاً أكثر صرامة.
2. الحفاظ على الاستقرار الداخلي وتجنّب كارثة اقتصادية أو حرب مفتوحة لا تُحسن أحداً.
3. المخاطر المرتبطة بالتدخل الأمريكي أو الغربي إذا تطورت المواجهة.
---
خلاصة
الموقف العربي القائم الآن أقوى من الناحية الخطابية، وتوجد نية واضحة للتضامن، وللتعبير عن رفض ممارسات إسرائيل التي تُعتبر انتهاكاً للشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني.
مع ذلك، لم يصل الأمر بعد إلى تحالف عسكري موحَّد يخطّط لمواجهة مباشرة وصريحة – الغالبيّة تفضّل العودة للدبلوماسية والقرارات السياسية.
التهديدات التي صدرت – خصوصاً من إيران – تُظهِر أن هناك استعداداً لإمكانيات ردّية محتملة إذا تجاوزت إسرائيل خطّاً يعتبرونه أحمر.
الدول كتكتيك تستخدم الخطاب الصارم لامتصاص الغضب الشعبي ولإرسال رسائل تحذير – سواء إلى إسرائيل أو إلى القوى الداعمة لها أو حتى إلى الداخل – لكن قدرة هذا الخطاب على الترجمة إلى فعل عسكري واقعي مرهونة بكثير من المعطيات (قوة، دعم دولي، مستلزمات مادية، تصعيد شامل).