الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المرأة ومعركة الوجود في فضاء الإنتخابات

بواسطة azzaman

المرأة ومعركة الوجود في فضاء الإنتخابات

شكرية كوكز السراج

 

دهاليز السياسة العراقية ما هي إلا متاهة تتكاثر فيها الأزمات وتترصد عند عتباتها المكائد، وفي خضم هذا المشهد العصيب تقف المرأة وجهاً لوجه أمام امتحان عسير، امتحان لا يختبر حضورها في صناديق الاقتراع فقط، بل يختبر ارادتها وصبرها وهويتها، إنها تدخل حلبة انتخابية ليست كسائر الحلبات، صراع تتشابك فيه القيم مع المصالح، والصدق مع الادعاءات، والنعومة مع الخشونة.

المرأة العراقية، تلك القارورة التي ظنوا أنها تنكسر، صارت مرآة لصلابة أمة أنهكتها الحروب لكنها لم تخضعها، هي جسر بين موروث ثقافي ضارب في العمق، وحاجة ملحة الى التجديد والنهضة، وما الانتخابات إلا مسرح تواجه فيه أعنف التحديات: توازن بين عاطفة رقيقة وعقل لا يلين، وبين واجباتها الأسرية والاجتماعية ومسؤولياتها الوطنية.

لم تعد مقولة «رفقاً بالقوارير» تكفي، فالزمن تجاوزها والمرأة العراقية لم تعد هشة تحتاج إلى حماية، بل قوة فاعلة تحمل على كتفيها رسالة التغيير، عليها أن تكون قدوة في الخطاب، متزنة في الطرح، صلبة في مواجهة التسقيط والتشويه، ثابتة حين تستهدف نزاهتها وشرفها بالكذب والافتراء، فالمعركة ليست فقط ضد الخصوم السياسيين، بل ضد ثقافة تهميش مترسخة تحاول أن تقصيها إلى الهامش. إنها تخوض حربا مزدوجة، معركة داخلية مع الذات لبناء القدرات وصقل المهارات وإثبات الكفاءة، ومعركة خارجية مع مجتمع ذكوري النزعة يرى في حضورها تهديدا لعرشه التقليدي غير أن المرأة بما تملكه من وعي وتجربة وتاريخ تضحيات، قادرة على كسر القيود وتحويل المحنة إلى منحة. لكنها ليست وحدها في هذا الطريق، فالرجل الحقيقي، هو الذي يمد لها يده لا ليستولي على مكانها، بل ليكون شريكا في مشروع وطني جامع.

الانتخابات المقبلة إذن ليست نزهة للعرض أو استعراض قوة، بل اختبار تاريخي لإثبات الذات، وإعادة تعريف معنى المشاركة السياسية، وعلى القوارير الجميلات أن يواجهن الحقيقة بجرأة، أن يكن أكثر حكمة ومنطقا، وأن يبرزن للعالم أن المرأة العراقية قادرة على العطاء لا على الاستجداء، على البناء لا على التزيين، على القيادة لا على التبعية.

ولأنها تخوض هذا المعترك، فهي لا تمثل نفسها فحسب، بل تمثل تاريخا من الكفاح وصورة وطن بكامله، المرأة العراقية ليست مجرد رقم في قوائم المرشحين، بل هي ضمير حي يتقدم نحو الميدان محملا بآلام الناس وآمالهم، إنها الأم التي قدمت أبناءها قرابين للوطن، وأخت الشهيد الذي لم يرجع من المعركة، وزوجة المهاجر التي حفظت البيت بيد من صبر وأخرى من إيمان.

إن دخولها الانتخابات ليس ترفا سياسيا، ولا مغامرة شخصية، بل هو فعل تحد ضد كل مظاهر الظلم والإقصاء، ورسالة واضحة بأنها شريك كامل لا تابع، فهي تدرك أن المعركة ليست سهلة، وأن طريق الإصلاح مليء بالمطبات، لكنها تعلم أيضا أن الغياب أثقل من الحضور، وأن التراجع أثمن هدية قد تقدم للخصوم، ومن هنا فإن مشاركتها تصبح واجبا وطنيا وأخلاقيا، لا خيارا ثانويا أو تفصيلا عابرا في المشهد السياسي.

إنها لحظة فاصلة، لحظة يتطلب فيها أن تستبدل الشعارات بالفعل، والكلمات بالإنجاز، المرأة العراقية التي حملت الوطن في محنه، وأيقظت في العائلة شعلة الحياة، هي ذاتها القادرة اليوم على أن تقود مشروع الإصلاح والسلام والتغيير. فلتكن كما عهدناها: قوية بصبرها، عزيزة بإيمانها، عظيمة بتضحياتها.

 

 

 


مشاهدات 178
الكاتب شكرية كوكز السراج
أضيف 2025/09/02 - 3:04 PM
آخر تحديث 2025/09/18 - 9:01 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 707 الشهر 13019 الكلي 12030892
الوقت الآن
الخميس 2025/9/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير