الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
النساء‭ ‬مشاريع‭ ‬انتحار‭ ‬مؤجلة

بواسطة azzaman

النساء‭ ‬مشاريع‭ ‬انتحار‭ ‬مؤجلة

موج يوسف

 

لو‭ ‬تأملنا‭ ‬حياة‭ ‬كل‭ ‬امرأة‭ ‬منتحرة‭ ‬سنجدها‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬نفسها‭ ‬وقرار‭ ‬الانتحار‭ ‬ليس‭ ‬خيارا‭ ‬بل‭ ‬فرضا‭ ‬عليها‭ ‬لذا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬تعريف‭ ‬انتحار‭ ‬النساء‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬شرقنا‭ ‬الاوسط‭ ‬وتحديدا‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬صارت‭ ‬المرأة‭ ‬تدفع‭ ‬جسدها‭ ‬ثمن‭ ‬خطئية‭ ‬لم‭ ‬تشترك‭ ‬بصناعتها‭ ‬ولعل‭ ‬الأشد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬تُقتل‭ ‬وتسجلها‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ( ‬منتحرة‭ ) ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭.‬

‭ ‬وبرأيي‭ ‬حتى‭ ‬النساء‭ ‬اللواتي‭ ‬ثبت‭ ‬انتحارهن‭ ‬هن‭ ‬مقتولات‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬مؤخراً‭ ‬للطبيبة‭ ‬النفسية‭ ‬بان‭ ‬زياد‭ ‬طارق‭ ‬التي‭ ‬قيل‭ ‬أنها‭ ‬انتحرت‭ ‬بسبب‭ ‬اكتئاب‭ ‬حاد‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬تعالج‭ ‬المكتئبين‭ ‬بما‭ ‬تقدمه‭ ‬من‭ ‬استشارات‭ ‬وعلاج‭ ‬نفسي‭ ‬أو‭ ‬محتوى‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬تنتحر‭ ‬للسبب‭ ‬نفسه‭ ‬فأي‭ ‬سذاجة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصدقها‭ ‬العقل؟‭.‬

‭ ‬ظهرت‭ ‬أمها‭ ‬تتهم‭ ‬دوائر‭ ‬العمل‭ ‬بأنها‭ ‬مشانق‭ ‬تقف‭ ‬بطريق‭ ‬كل‭ ‬فتاة‭ ‬وهذه‭ ‬الأم‭ ‬تلفت‭ ‬نظرنا‭ ‬بخروجها‭ ‬الاعلامي‭ ‬الطبيعي‭ ‬والبعيد‭ ‬عن‭ ‬الحزن‭  ‬وابعاد‭ ‬التهم‭   ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬مهمة‭ ‬وهي‭ ‬عن‭ ‬أخ‭ ‬الطبيبة‭ ‬الذي‭ ‬تدور‭ ‬حوله‭ ‬الشبهات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النساء‭ ‬هن‭ ‬من‭ ‬يحافظن‭ ‬على‭ ‬البطريكية‭ ‬وتحديدا‭ ‬الأمهات‭ ‬الذكوريات‭ ‬هن‭ ‬النمط‭ ‬الأكثر‭ ‬تسيدا‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬وقد‭ ‬أشرت‭ ‬لهن‭ ‬بكتابي‭ ( ‬المرأة‭ ‬الدينية‭ ‬المرأة‭ ‬النسوية‭) ‬بأنهن‭ ‬يربين‭ ‬بناتهن‭ ‬على‭ ‬خدمة‭ ‬أخوتهن‭ ‬الذكور‭ ‬وهذه‭ ‬التربية‭ ‬تزرع‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬البنت‭ ‬عقدة‭ ‬النقص‭ ‬وتثمر‭ ‬بذاتها‭ ‬بأنها‭ ‬انسان‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ووفق‭ ‬قانون‭ ‬الذكورة‭ ‬يحق‭ ‬لهم‭ ‬التحكم‭ ‬بحياتها‭ ‬وجسدها‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬مع‭ ‬قضية‭ ‬الدكتورة‭ ‬الضحية‭ ‬ومن‭ ‬سبقها‭ ‬من‭ ‬فتيات‭ ‬انتحرن‭ ‬أو‭ ‬سجلتهن‭ ‬الجهات‭ ‬القضائية‭ ‬على‭ ‬أنهن‭ ‬منتحرات‭ ‬وأغلقت‭ ‬قضاياهن‭ ‬ولم‭ ‬نتهِ‭ ‬القضايا،‭ ‬لأنّ‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الأسرة‭ ‬والأم‭ ‬الذكورية‭ ‬،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تقرير‭ ‬الأدلة‭ ‬الجنائية‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬عن‭ ‬الطبيبة‭ ‬النفسية‭ ‬بان‭ ‬زياد‭ ‬التي‭ ‬اثبتت‭ ‬هناك‭ ‬جريمة‭ ‬وتعذيب‭ ‬مورس‭ ‬بحقها‭ ‬لكن‭ ‬الناظر‭ ‬إلى‭ ‬دفاع‭ ‬الأم‭ ‬عن‭ ‬ابنها‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حوله‭ ‬التهم‭ ‬يلاحظ‭  ‬أنها‭ ‬تؤكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬موت‭ ‬ابنتها‭ ‬هو‭ ‬انتحار‭.‬

‭ ‬هكذا‭ ‬ببساطة‭ ‬فلو‭ ‬افترضنا‭ ‬أنه‭ ‬انتحار‭ ‬،‭ ‬هل‭ ‬الانتحار‭ ‬ترف؟‭ ‬لتنطقه‭ ‬الأم‭ ‬بدم‭ ‬بارد‭.‬

لو‭ ‬دققنا‭ ‬بحياة‭ ‬كل‭ ‬فتاة‭ ‬منتحرة‭ ‬سنجدها‭ ‬لا‭ ‬تحظى‭ ‬باحترام‭ ‬أو‭ ‬مكانة‭ ‬مركزية‭ ‬في‭ ‬مجتمعها‭ ‬الأبوي‭ ‬لذا‭ ‬أغلب‭ ‬شخصيات‭ ‬النساء‭ ‬المنتحرات‭ ‬اللّاتي‭ ‬يؤذن‭ ‬أجسادهن‭ ‬أو‭ ‬يجازفن‭ ‬بحياتهن‭ ‬لا‭ ‬يعرفن‭ ‬ماهية‭ ‬ما‭ ‬يحاربنه‭ ‬لأنهن‭ ‬يعشن‭ ‬تحت‭ ‬منظمومة‭ ‬رحمّية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بوسعهن‭ ‬الانفصال‭ ‬عنها‭ ‬الا‭ ‬بالموت‭.‬

والأمر‭ ‬الذي‭ ‬أؤكد‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬انتحار‭  ‬أمر‭  ‬يعيد‭ ‬احياء‭ ‬أسطورة‭ ‬الأم‭ ‬ميديا‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬سلطة‭ ‬الأم‭ ‬المطلقة‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬أطفالها‭ ‬وحكايتها‭ ‬أنها‭ ‬قتلت‭ ‬أطفالها‭ ‬انتقاما‭ ‬من‭ ‬والداهما‭ ‬وهي‭ ‬ترمز‭ ‬للعاطفة‭ ‬المدمرة‭ ‬وأسطورة‭ ‬ميديا‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمهات‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬أنهن‭ ‬يقتلن‭ ‬بناتهن‭ ‬لكنهن‭ ‬يساعدن‭ ‬على‭ ‬قتلهن‭ ‬وليس‭ ‬القتل‭ ‬الواقعي‭ ‬وإنما‭ ‬الأشد‭ ‬منه‭ ‬هو‭ ‬القتل‭ ‬المجازي‭ ‬عندما‭ ‬تمارس‭ ‬تميزها‭ ‬الجنسي‭ ‬ولا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬ابنتها‭ ‬سوى‭ ‬العيب‭ ‬والتقاليد‭ ‬وشغلها‭ ‬الشاغل‭  ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬بعثرة‭ ‬الشرف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تراه‭  ‬الا‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬عذريتها‭ ‬والأمور‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬تعليم‭ ‬ومكانة‭ ‬مرقومة‭ ‬تنالها‭ ‬البنت‭ ‬ليس‭ ‬الا‭ ‬هوامش‭ ‬على‭ ‬مركزيات‭ ‬الشرف‭. ‬حادثة‭ ‬الدكتورة‭ ‬بان‭ ‬ليست‭ ‬الأولى‭ ‬وليست‭ ‬الترند‭ ‬الأول‭ ‬قبل‭ ‬شهور‭ ‬عدة‭ ‬انتحرت‭ ‬أحدى‭ ‬الطالبات‭ ‬في‭ ‬ايام‭ ‬الامتحانات‭ ‬بكلية‭ ‬جعفر‭ ‬الصادق‭ ‬فرع‭ ‬النجف‭ ‬وألقى‭ ‬المجتمع‭ ‬لائمته‭ ‬على‭ ‬وزارة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬والكلية‭ ‬بضغطهما‭ ‬المادي‭ ‬على‭ ‬الطلبة‭ ‬لأن‭ ‬الكلية‭ ‬أهلية‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬التحقيق‭ ‬والذي‭ ‬سمعت‭ ‬نتائجه‭ ‬مصادفة‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬الذي‭ ‬جمعني‭ ‬به‭ ‬اللقاء‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬رئيس‭ ‬جهاز‭ ‬الاشراف‭ ‬الذي‭ ‬ابلغ‭ ‬رئيس‭ ‬الجهاز‭ ‬بأن‭ ‬الكلية‭ ‬تقوم‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬بتخفيض‭ ‬الأجور‭ ‬والطلبة‭ ‬جيدة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬السمعة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والعلمية‭ ‬ولا‭ ‬تعاني‭ ‬الفقر‭ ‬بل‭ ‬وضعها‭ ‬متوسط‭ ‬كحال‭ ‬باقي‭ ‬الطالبات،‭  ‬ويكمل‭ ‬قائلا‭: ‬وعندما‭ ‬وصلت‭ ‬صباح‭ ‬يوم‭ ‬انتحارها‭ ‬لم‭ ‬تتحدث‭ ‬مع‭ ‬شخص‭ ‬نزلت‭ ‬من‭ ‬السيارة‭ ‬ودخلت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬إلى‭ ‬كليتها‭ ‬وصعدت‭ ‬والقت‭ ‬بنفسها‭ ‬من‭ ‬الطابق‭ ‬الرابع‭ ‬وفق‭ ‬تقرير‭ ‬الكاميرا،‭ ‬إذن‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬لا‭ ‬مشكلة‭ ‬الا‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬لديها‭ ‬مشاكل‭ ‬بالعائلة‭ ‬وهنا‭ ‬صمت‭ ‬المحقق‭ ‬والمسؤول‭. ‬قلت‭ ‬لهما‭: ‬البنت‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬كبت‭ ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬برأيها‭.‬

وأُغلقت‭ ‬القضية،‭ ‬وستغلق‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬الانتحار‭ ‬لأن‭ ‬النساء‭ ‬مشاريع‭ ‬انتحار‭ ‬مؤجلة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتمّ‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬وبدايتها‭ ‬العائلة‭ ‬والأم‭ ‬تحديداً‭  ‬ثم‭ ‬القانون‭ ‬المدني‭ ‬الذي‭ ‬يوقف‭ ‬نزيف‭ ‬موتها‭ ‬كذلك‭ ‬التطور‭ ‬الفكري‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬للمرأة‭ ‬العراقية‭ ‬لم‭ ‬يصحبه‭ ‬أي‭ ‬تطور‭ ‬فكري‭ ‬عند‭ ‬الرجل‭ ‬أو‭ ‬المنظومة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لذا‭ ‬صار‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وحياتهن‭ ‬الطبيعية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬خرق‭ ‬كبير‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬ردمه‭.‬


مشاهدات 46
الكاتب موج يوسف
أضيف 2025/08/16 - 10:57 PM
آخر تحديث 2025/08/17 - 1:29 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 69 الشهر 11682 الكلي 11406768
الوقت الآن
الأحد 2025/8/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير