المكونات ومعركة الوعي
رشيد العجيل
هل تتمكن التقنيات الحديثة من حماية الموروث الثقافي والديني من الفتن والإسرائيليات؟
شهد عصرنا الحالي ثورة رقمية غير مسبوقة، غيرت بشكل جذري أساليب التلقي والمعرفة، وأعادت تشكيل العلاقة بين الناس والمعلومة. ورغم ما تحمله هذه الثورة من فرص عظيمة للتعليم فإنها جلبت معها تحديات خطيرة خاصة في مجال الموروث الثقافي والديني، حيث بات تداول الأحاديث الضعيفة ونشر التفاسير المغلوطة والإسرائيليات أسهل من أي وقت مضى، بفعل منصات التواصل وانتشار المعلومات دون تحقق.
في هذا السياق، أصبح لزامًا علينا أن لا نقف موقف المتفرج، بل أن نوظف هذه التقنيات ذاتها بهدف التصدي الواعي للتحريف، عبر بناء أدوات رقمية موثوقة تحمي الموروث الديني والثقافي من التزييف والاستغلال السياسي والمذهبي.
1. دور التقنيات الرقمية
أصبحت الرقمنة أداة قوية تتيح لأي باحث أو مهتم الوصول إلى الكتب والمخطوطات الأصلية بضغطة زر. لم يعد التأكد من وجود حديث في “صحيح البخاري” أو “الكافي” مثلاً، أمرًا يتطلب التنقل بين المكتبات، بل أصبح متاحًا مع الهواتف الحديثة.
أدوات الذكاء الاصطناعي والبحث الدلالي
أصبح بالإمكان استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لفحص سند الحديث وتحليل سلوك الرواة، وتصنيف النصوص حسب الموضوع والمصدر. كما يمكن استكشاف الروايات التي فيها تناقض أو مخالفة لأصول الدين .
منصات تفاعلية للتحقق والرد على الشبهات
يمكن بناء منصات متخصصة تمكن المستخدم من إدخال أي حديث أو رواية ليُعرض عليه فورًا سندها، درجتها، مصدرها، وآراء كبار العلماء بالإضافة إلى تفنيد الإسرائيليات المتسللة.
2. دعوة إلى إنشاء مكتبتين رقميتين: مرجعية سنية ومرجعية شيعية
من أجل ضمان الدقة ومنع الفتن ، نقترح إنشاء مكتبتين رقميتين مستقلتين وموثوقتين:
المكتبة السنية: برعاية الأزهر الشريف
الأزهر، بصفته أقدم مرجعية علمية سنية، قادر على قيادة مشروع مكتبة إلكترونية تتضمن كتب الحديث والتفسير والفقه، وتوفر قاعدة بيانات قابلة للبحث والتحقق، مدعومة بخبراء وعلماء لتفنيد الأحاديث الموضوعة والشبهات، وموجهة للعامة والمتخصصين على حد سواء.
المكتبة الشيعية: برعاية الحوزة العلمية في النجف وهي من أعرق المؤسسات العلمية والدينية في العالم الاسلامي وتميزت بدورها في تطوير علم الفقه واصول الاجتهاد على منهج العقل والنص جعلها مرجعاً موثوقاً لدى الملايين .
تهدف إلى توثيق الأحاديث والروايات من مصادرها الأصلية كـ”التهذيب” و”الاستبصار”، وتقدم فهارس علمية للروايات المتداولة، وتردّ على التحريفات أو التوظيفات السياسية والطائفية.
الشراكة مع المكتبات العالمية الكبرى
لكي تحقق هاتان المكتبتان مصداقية علمية على المستوى الدولي، لا بد من التعاون مع:
مكتبات الجامعات الكبرى مثل: هارفارد، أكسفورد، السوربون، طوكيو
مؤسسات بحثية غربية مثل: مكتبة الكونغرس، معهد ماكس بلانك، مراكز الدراسات.
مكتبات رقمية مفتوحة المصدر تعتمد على تقنيات التوثيق العلمي وخرائط السند مثل “Open Hadith” و”Corpus Hadith Project”
هذا التعاون يهدف إلى المقارنة بين النصوص وتحليل تكرار الأحاديث عبر المذاهب والكشف عن الأخطاء الشائعة مع الحفاظ على الاستقلالية الدينية.
خاتمة: معركة الوعي لا تُكسب إلا بالعلم
لقد أثبتت التجربة أن كثيراً من الفتن والفرقة بين المسلمين سببها الجهل والتداول العشوائي للنصوص بدون تحقق. وعليه، فإن إنشاء مكتبتين رقمية موثوقتين – شيعية وسنية – بدعم تقني وعلمي متقدم، سيكون خطوة حضارية لحماية الموروث الإسلامي، وتعزيز الحوار والاحترام المتبادل، وكسر الحواجز المفتعلة بين الطوائف. يمكن ان تكون هذه المكتبات منصات لبناء الوعي وتحصين الأجيال المقبلة من الوقوع في فخ الفتنة والطائفية وتقديم الإسلام كدين عقل ونور وعلم لا يتحكم فيه المزورون أو أعداء الحقيقة.