أمام المرآة
علي ضياء الدين
انتهى (عبد الله) من وضع اللمسات الأخيرة على قيافته وبعد أن تأكد من ان كل شيء في مكانه الصحيح وقف امام المرآة ليلقي نظرة على مظهره النهائي قبل أن يغادر الى اجتماع «جمعية المثقفين الجدد» التي ينتمي اليها. خُيل اليه للحظة خاطفة أن كل شيء على ما يرام وأراد أن يغادر مرآته لولا ان جسده اهتز بصيحة رعب انطلقت من أعماق روحه» ما هذا؟». لم ير وجهه في عمق المرآة. رأى شيئاً آخر أفزعه. حاول أن يتعرف عليه لكن ذلك الشيء كان عصياً على فهمه لأنه كان خليطاً من أشكال هلامية متحركة بسرعة شديدة: قرون معلقة على حائط وأوراق نقدية متطايرة وأبواق وشاشات صغيرة بحجم الكف وأخرى عريضة وصبايا وسيارات حديثة وحفلات صاخبة ترتفع منها ضحكات ماجنة متواصلة. لدقيقة واحدة أعطى ظهره للمرآة ثم رش على وجهه رذاذ عطر واستدار ثانية ليواجه مرآته فقد كان على ثقة من أن ما رآه قبل دقيقتين لم يكن الا تخيلات أنتجها ارهاق الليلة الماضية التي أمضاها وهو يكتب مقالة. لكنه لم ير وجهه الذي يعرفه. ارتبك وازاد ارتباكه ليتحول رعباً. أيقظ امرأته وسألها أن كان كل شيء في وجهه في مكانه الصحيح فردت منزعجة لأنه أيقظها من حلم جميل: ما هذا السؤال الغريب؟. هل جرى لعقلك شيء لا سمح الله؟». تركها وعاد الى المرآة يبحث فيها عن وجهه فلم يره. وضع يده على وجهه ليتأكد من أن وجهه لا يزال معه لكنه سمع صوتاً ساخراً يأتيه من لا مكان: لماذا أنت قلق هكذا؟. اطمئن فبإمكانك اللحاق باجتماع جمعية المثقفين الجدد ولن ينتبه أحد اليك فالوجه هو وجهك أنت وليس وجه أحد غيرك. ذهب الى الاجتماع المرتقب وهو رغم اطمئنانه الى أنه يحمل معه وجهه الذي يعرفه الجميع الا أن ما رآه في المرآة كان ينغص عليه وقته بينما كان زملاؤه في الجمعية منهمكين في نقاشات جانبية لا تمس شؤون الثقافة الا مساً رقيقاً. لاحظ صديق قديم له سرحانه فدنا منه وسأله عما يلم به. لم يرد عليه أولاً ثم أنكر أن يكون شيء ما قد ألم به ثم طلب منه أن يختليا لبعض الوقت وعندئذ صارحه بما مر به. لم يعلق الصديق بكلمة وظل يتفرس بصمت وهدوء في وجه عبد الله قبل أن يطلق ضحكة خافتة قصيرة وقبل أن يسأل:» هل ترى هؤلاء الزملاء المجتمعين وأنا منهم؟. أنت آخرنا في هذه المحنة فقد سبقناك جميعنا. كل واحد منا أفاق يوماً فلم يتعرف على وجهه أمام مرآته. رأى أمامه ما رأيت أنت بالضبط. هذا ثمن العمل الذي نمارسه في هذا العالم. لك أن تستعيد وجهك لكن هل أنت مستعد لدفع التكلفة؟.