الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أنطون تيشخوف كتب الرواية القصيرة جدا


=أنطون تيشخوف كتب الرواية القصيرة جدا

 حميد الحريزي

                   

الطبيب الأديب الروسي الكبير أنطون تيشخوف

1860-1904، كاتب مسرحي، وروائي ،وكاتب قصة ، مذهل ، سيبقى خالدا  ليس في الآدب الروسي بل في الادب العالمي  على الرغم من عمره القصير 44 عاما ، وعلى الرغم من مرضه ،وما يهمنا هنا كتابته للرواية ، اذ افردت له دار الشروق في القاهرة ، الجزء الثاني من اعماله الكاملة لرواياته القصيرة ، وبعد وطلاعنا على هذه الروايات وجدنا أن أغلبها تستجيب لما  اطلقنا علية ب(الرواية القصيرة جدا)، ، ولذلك جاءت ترجمة الاستاذ عادل زعيتر  بالرواية القصيرة، وليس بالرواية القصيرة جدا ،كما جاءت في ترجمة اعماله الكاملة من قبل  دار الشروق في القاهرة  عام 2009.  فانطون تيشخوف اروع من كتب الرواية القصيرة جدا دون أن يجنسها كذلك ، فقد كتب :-

1-           الراهب الاسود 2- الفلاحون3- في الخور 4- كاشتايكا5-القبلة 6- الحسناوان 7- قلادة آنا8- المنزل ذو العلية9- أيونيتش10- الرجل المعلب11- حيوية 12- اللعوب 13- السيدة صاحبة الكلب 14 – العروس(الاعمال الكاملة لانطون تيشخوف- دار الشروق ط1 2009 _ ترجمة الاستاذ عادل زعيتر)

 ولم تزيد عدد كلمات كل رواية من هذه الروايات على 5000 كلمة وقد تميزت بالاختزال والتكثيف ، وعدم الاسهاب في تعريف  المعروف ،حيث ترك حيزا من السرد التخيلي للمتلقي  المؤلف الثاني ليبني صفات  المعروف للمتلقي وحسب ثقافته واطلاعه ،تعددت الشخصيات والحوارات / كما  تعددت الاماكن وتغير الزمن ،ولسنا بحاجة الى توصيف جمال وشعرية اسلوب  تيشخوف السردي ، وفطنته المميزة في التقاط الثيمات اللافتة  مهتما بشكل خاص بحياة عموم المجتمع الروسي  وفي أدق تفاصيلها ، ومختلف الطبقات والفئات الاجتماعية  ، وفي مقدمتهم المهمشمين والفقراء ، المرأة والرجل والطفل والشيخ الكبير ، الانسان العادي  ، والمثقف .

ويسرني ان اعيد القول اني لست اول من كتب الرواية القصيرة جدا ، ولكني اول من وسم رواياته بتوصيف (رواية قصيرة جدا)، وأول من نظر لها ، كما يجدر القول ان تيشخوف ومن خلال أطلاعي هو الاكثر شغفا في كتابتها ، فهو كاتب قصة قصيرة مميز  فلذلك نكون مثل هذه الرواية  القصيرة جدا قريبة لنفسه ، وان لم يجنسها ، كما معروف هو كاتب رواية قصيرة ورواية طويلة  وكاتب مسرحي مميز...

 

                          من اقصر روايات تيشخوف

                   (الحسنـــــــــــــــاوان)

             

         بيئة قاسية ، وجمال  انثوي ساحر،مقارنة مابين الجمال والقبح

شاب في مرحلة الثانوية في منطقة (الدون)، قرر السفر صحبة جده الى رستوف في شهر اغسطس لاهب الحرارة ، حيث التراب والريح الحارة ،بواسطة عربة يقودها(كاربو الاوكراني)، الذي كان يلهب الحصان بسوطه ، حاثا اياه على الاسراع  في الحركة ،في الطريق ينزل الجد ضيفا على عجوز ارمنيثري ، احد اصدقائه في قرية (0بخش ...صالي)،ذو الصفات الخلقية الكاريكنيرية  كما يصفه تيشخوف ، يسكن دارا  متواضعة جدا ، بسيطة الاثاث ، يمرح فيها الذباب بحرية كاملة ، ترافقه السكن عجوز متهالكة ، ولكن هذا الصندوق الحجري  غي الجذاب يضم داخله (ماشيا الرجل العجوز، الصبية  الارمنية بنت، هذه الفتاة ساحرة الجمال التي  اسرت نظرات كل من شاهدها بدءا بالحوذي الاوكراني ، والجد المسن ، و بالصبي الذي وصفها قائلا عند رئيتها(رايت قسمات ساحرة لاروع وجه صادفني من قبل في اليقظة أو راودتي في الاحلام )) حيث ظل  يتمثل جسدها بكل تفاصيله ، وكل قسمات وجهها وشعرها الباذخة الجمال (( الشعر ، والعينين، والأنف، والفم، واعتق ، والصدر، وكل حركات هذا الجسد الشاب ، قد اتحدت كلها في نغمة هارمونية متكاملة، ولم تخطيء الطبيعة بها خطأ صغيرا واحدا)).

فكم يبدو هذا المخلوق الساحر غريبا في مثل هذا  السكن المتهالك((كان جواها منفراوخانقا، ومملا كما في السهوب وفي الطريق)) ، وبين عجائز هدها الزمن حيث كان والدها الارمني (( رأسا صغيرا حليقا، بحاجبينكثيفين مهدلين الى أسفل كثيرا ، وبأنف طائر، وبشوارب بيضاء طويلة، وفم واسع تمتد منه قصبة ندخين طويلة من خشب الكرز، وكان هذا الرأس ملتصقا بصورة غير متقنة بجذع تحيل أحدب ، يرتدي حلة خيالية )) ، فكيف نبتت هذه الزهرة الباذخة الجمال وعاشت ونثت عطرها وسط كل هذا القبح ، تعم هذه ((ماشيا ، او ماشا)) خارقة الانوثة والرقة والجمال ، حيث تبدو الطبيعة غير عادلة أبدا في توزيع سمات الجمال والقبح في هذا العالم ، حيث تمنح البعض  انسان ،أو مكان كل حتكتها في صنع الجمال والكمال ، في حين تبخل على اخرين بالقليل  من الوسامة والقبول ...

يعرض للقااريء العراقي على وجه الخصوص طريقة درس الحبوب في روسيا في ذلك الزمن ،من خلال رصف الخيل بعضها جنب بعض ، لتدور حول بيدر من الحبوب ،بشكل مستمر  دوران حول مركز الدائرة ، يدور خلفها ويحثها على مواصلة الاستمرار على السير شخص ما ، مكلف بهذا الواجب ، وهناك العديد من هذه البيادر وهذه الصفوف من الخيل وقت الحصاد ن وبجانبها  تحصل عملية تصفية او مايسمى بذري الحبوب وتخليصها من التبن  عبر ذرها في الهواء بواسطة  المذراة ، ممارسات  جميلة  تحصل في كل عام ، حيث  الحصاد ، القطاف، والجمع ، والنقل، الدراسة، التصفية، ومن ثم الخزن ...  هذه العملية  وهذه شبه احتفالية تجري عندنا في العراق حتى  نهاية الستينيات من القرن العشرين ولكن في العراق تستخدم الحمير في عملية الدراسة  السنوية  لمحاصيل الشلب ، والحنطة ، والشعير، فيكون اشبه  بالكرنفال السنوي  صيفي وشتوي  حيث يجني المزارعون والفحون حصيلة جهودهم اثناء مواسم الزراعة ، ولكن الان حلت الالة بمحل هذه الممارسات في الحصاد والدرس والتصفية والنقل ...يحم الكثير ممن عاش تلك الاجواء والفعاليات اليها كثيرا ولكن هيهات فللتقنية احكامها ...

بعد استراحة قصيرة ، وقبل أن تشبع العيون من  تأمل  هذا الجمال المتحرك الساحر ، بدء الرحيل  لمواصلة الرحلة  وقد كانت العيون معلقة لاتريد أن تفارق هذا الجمال الساحر  لماشا !!!

كأن هذا الشاب موعود مع مشاهد الجمال الصارخ وسط مظاهر العادية أن لم نقل مظاهر القبح أو الا تميز ،حيث كانت في محطة القطار في رستوف ، تقف فتاة روسية  ذات شعر باذخ الجمال ،فاضاف الى جمال جسدها بهاءا وسحرا وجاذبية  ساحرة  لفتت لنظار الجميع  ومن ضمنهم  ضابط المدفعية  صديق الشاب المسافر ، حيث استذكر صورة (ماشا) الارمنية  الساحرة ،كان الضابط يحدس ان  عامل التلغراف احمر الشعر الغيرجذاب كان يعشق هذه الفتاة ، المحصل الكهل يبدو كانه يندب حضه  وكم يتمنى ان تكون هذه الفتاة من نصيبه ، يتحرك القطار يجر الناس اجسادها جرا ليبتعدوا مرغمين من مشاهدة الفتاة لمواصلة السفر ، تغيب الشمس يزحف القطار طاويا الزمن ، ومفارقا بين الجميلة وبين امنيات وتأوهات ركاب القطار من الرجال المسافرين ...

تيشخوف برائعته هذه يغرض لنا عجائب الخلق ، والطبيعة ، ويعرض صور الجمال والقبح ، الشباب والكهولة ، حفريات السنين واحلام ضائعة وامنيات  طواها الزمان كما يطوي القطار المسافات من محطة الى اخرى ...


مشاهدات 97
الكاتب  حميد الحريزي
أضيف 2025/07/28 - 3:33 PM
آخر تحديث 2025/07/31 - 3:12 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 472 الشهر 21290 الكلي 11274901
الوقت الآن
الخميس 2025/7/31 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير