صورة الـله في خلقه

منير حداد

ترد في مصادر متداولة، حكمة للإمام علي زين العابدين.. عليه السلام «لا تذهبوا الفضل بالمنة» وهو قبس من نور علم الإمام علي.. عليه السلام، الذي تخضب بضوئه من الرسول محمد.. صلى الله عليه وآله، بحديث شريف «أدبني ربي فأحسن تأديبي». تمتد سيرة الأئمة المعصومين ومن والاهم وتبعهم الى الجنة، سعياً بهدي الآية الكريمة 24 من سورة القصص «فسقى لهما ثم تولى إلى الظل» والتي تروي قصة النبي موسى.. عليه السلام، عند هربه من بطش فرعون، وصولاً الى مدين.. حسيراً أسيراً كسيراً جائعاً ظمآن، ولم يسأل ربه سوى لقمة طعام تدفع عنه غائلة الجوع وترد عنه هلاك التعب، قاطعاً الصحراء، ليجد أمة تسقي غنمها من بئر وقد تدافع الأقوياء حلولاً في مقدمة الإستسقاء، إقصاءً لبنتين لا حول لهما، وأبوهما شيخ لا يقدر على التدافع ليزيح المستقوين على وهن إبنتيه وهما تعيلان رقة عظمه المستدق تحت تعاقب السنين. فبادر موسى لتطمين حاجتهما، ولما أتم الفضل لم يمكث مترائياً لهما؛ كي لا تتذكران ما أغدق عليهما من عون، أو يتواجد تلميحاً برد الفضل، فلا يعد الأمر حسنة لله، إنما نظير أجور، يفرضها هو ولا يتركها لتقديرهما؛ لذلك «تولى» يستفئ ظل شجرة وارفة، بعيداً عنهما؛ فلاحقتاه بتوجيه من أبيهما؛ كي يجزيه.. حسنةً بحسنةٍ. قبول ما يعرض، كما يقول التابعي سعيد بن جبير، لا ينقص ثواب الفضل، ما دام ليس مشروطاً، فإمتثل لهما في إجابة طلب أبيهما بالحضور عنده، وكان ما جرى في القصة المعروفة، والتي نفيد منها موعظة حسنة؛ لإدراك اللفتة القرآنية الكريمة، بلزوم إبتعاد المتفضل عمن تلقى الفضل محتاجاً؛ لأن «اليد العليا خير من اليد السفلى» فلا يذكر صانع الخير بكونه يداً علياً نظير يد سفلى تلقفت الحسنة.

عين السائل

وهو ما يُؤثِرْهُ الإمام علي.. عليه السلام، ودأباً على أخلاقه الأئمة المعصومون ومن والاهم «لا أريد رؤية مسكنة الحاجة في عين السائل» تحاشياً لتأكيد الشكر.

ويركز سعيد بن جبير على «تولى» أي ذهب تماماً مخلصاً في الذهاب غير متردد ولا منتظراً شكراً، مشيراً.. رضوان الله عنه.. الى أن: عند فعل المعروف تولَ بكل ما أوتيت من قوة في الإسراع بالإبتعاد؛ لأن إنتظار رد العبد الفقير، ليس أبلغ من ثواب الرب، فما عند الله خير وأبقى!

ولأن الله ورسوله وكتابه وآل بيت النبوة.. المعصومين، قدوتنا في الحياة، آثرت ألا أنظر في عين محتاج ألبي لهفته؛ إنما أوصل إليه فضل الله، بما يوقر إنسانيته، دأباً على حكمة الإمام.. عليه السلام «إعطِ السائل حتى لو تعرفه كاذباً» وأنا أفهم تمرير الإمام علي للكذب الذي تقضي الشريعة محاربته، خلافاً نابعاً من توقير الإنسان الذي خُلِقَ على صورة الرب... كي لا تهان صورة الله في خلقه.