الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحرائق لا تشتعل وحدها.. فمن يشعلها؟

بواسطة azzaman

الحرائق لا تشتعل وحدها.. فمن يشعلها؟

سيف الحمداني

 

لا يبدو ما يجري من حرائق متلاحقة في العراق مجرد مصادفة عابرة أو خلل تقني متكرر، بقدر ما بات يمثل ظاهرة مثيرة للقلق ومشحونة بالتساؤلات. فبعد فاجعة حريق الهايبرماركت في مدينة الكوت، والذي خلّف صدمة واسعة وأضرارًا جسيمة، جاء حريقا الطالبية والكاظمية في بغداد ليعيدا إشعال الريبة في النفوس، ويحرّكا ذاكرة الرأي العام نحو تساؤل مركزي: هل ما يجري حوادث عرضية أم أن هناك من يُدير خيوطًا خفية لهذا المشهد المأساوي؟ حين تتوالى الحرائق بهذا الشكل الزمني المتقارب، وفي أماكن حيوية تمسّ حياة المواطنين واقتصادهم وأمنهم، فإن الحديث عن تماس كهربائي أو إهمال عرضي يبدو تسطيحًا لا يرقى لحجم الحوادث. نحن إزاء نمط يعيد نفسه، اندلاع نيران فجائية، تفاعل سريع في وسائل التواصل، تعتيم أو غموض في نتائج التحقيق، ثم انطفاء الضجة دون محاسبة تُذكر. في علم الأزمات، ليست كل النيران تُشعلها الكهرباء، ثمة حرائق تُشعلها الأجندات، وتخفي وراء دخانها ملفات معقّدة. لسنا في معرض تسويق نظريات المؤامرة، ولكن الواقع الأمني والسياسي والاقتصادي المرتبك يُغري بقراءة الأحداث خارج إطارها الظاهري. فمن غير المستبعد أن تكون بعض هذه الحرائق أداة لصرف الأنظار عن قضية كبرى تُطبخ في الظل، أو وسيلة لإرباك الساحة قبيل قرارات حساسة أو تغييرات مرتقبة، أو مقدمة لتمرير مشاريع أو عقود تتطلب إخلاء أماكن معينة أو تهيئة الرأي العام لفقدانها، أو حتى وسيلة للابتزاز أو لتصفية حسابات سياسية أو تجارية. المشهد لا يخلو من عبث مقصود، حتى وإن تزيّا بلباس الصدفة. الأخطر من الحريق هو ما بعده، فغياب الشفافية في التحقيقات، وتكرار ذات المبررات الفضفاضة، يعزّزان القلق ويشجعان على استمرار هذه النكبات. المواطن اليوم لا يثق بالتقارير الرسمية ما لم تكن صادرة عن لجان تحقيق مستقلة ومحايدة تُعلن نتائجها بوضوح وتحاسب الجُناة إن وُجدوا. التعامل الحكومي مع الكوارث ينبغي أن يرتقي إلى مستوى إدارة الأزمات لا تبريرها، ومعالجة الأسباب لا التنصّل منها. في ظل كل هذا الدخان، تظل الحقيقة غائبة، والخوف حاضرًا. يخشى الناس أن يكونوا وقودًا لصراعات لا تخصّهم، وضحايا لخرائط نفوذ تُرسم بالنار. ويخشون أكثر أن تتكرّر هذه الحرائق غدًا، في مستشفيات ومدارس وأسواق، وأن تصبح النكبات روتينًا يُتعامل معه بلا اكتراث.

السؤال ما زال مشروعًا من يقف خلف مسلسل الحرائق؟ لكن السؤال الأهم : من يقف عند مسؤولياته ليوقف هذا المسلسل؟ فالنيران لا تكتفي بابتلاع الجدران، بل قد تمتد لتحرق ما هو أعمق .. ثقة الناس بمؤسسات دولتهم.

 

 

 


مشاهدات 81
الكاتب سيف الحمداني
أضيف 2025/07/19 - 3:26 PM
آخر تحديث 2025/07/20 - 8:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 276 الشهر 12684 الكلي 11166296
الوقت الآن
الأحد 2025/7/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير