في سوريا كلٌ يغني على ليلاه
خالد السلامي
منذ أحداث التغيير الدراماتيكية المفاجئة التي حصلت في سوريا في ٨/١٢/٢٠٢٤ لم اشأ ان اقل كلمة واحدة عنها لا في مقال ولا في منشور على مواقع التواصل بانتظار اتضاح الصورة ولكن ما نلاحظه من قيام الدنيا وعدم قعودها منذ ذلك اليوم الى الآن حيث راحت اطراف القضية الداخلية والخارجية تؤول الأحداث كل على ما تهوى نفسه وهذا أمر طبيعي في مثل هذه الظروف فالمتضرر ينكر على المستفيد عمله والمستفيد يعيب على المتضرر فعله .
لكن الغريب في هذه القضية اننا شاهدنا بروز مئات المحللين الفطاحل على مواقع التواصل الاجتماعي كلٌ يغني على ليلاه فلم يكد يمر يوم الا ونقرأ فيه على هذه المواقع العديد من التحليلات والتفسيرات والتأويلات بما لا يمت للواقع بصلة فالمهم ان نطبل مع المطبلين وكما يقول المثل الشعبي العراقي ( على حس الطبل خِفَّنْ يا رجليه ) فالبعض يهاجم الوضع الجديد ويصفه بمختلف الأوصاف رغم ان عمره لا يتجاوز عدة أشهر لم ينقطع خلالها الكيان الصهيوني عن تدمير كل قواعد الجيش السوري البرية والبحرية والجوية ومع ذلك يتهم بأنه وضع صهيوني بإمتياز كما يقول معارضيه ولا نعرف كيف يدمر الصديق صديقه بهذه الطريقة التي لم تُبقِ على جلده ريشة واحدة تحميه من طوارئ المناخ المتقلب الذي تعيشه بلاده والبلاد العربية عموما وفي المقابل يستميت مؤيدوه في الدفاع عنه قبل ان تتضح صورته بشكلها الكامل رغم كل المواقف المعلنة من قبله فما حصل في سوريا من تغيير لم يكن لحد الان سوى تحويل البلاد من تبعية الى أخرى .
اما ما بعد التغيير فمن الطبيعي لمن يريد التحليل بالمنطق العقلاني للأحداث الفوضوية التي حصلت وتحصل في بعض المناطق السورية فعليه ان يضع في حساباته مجموعة من الأسئلة المنطقية التي تدور جميعها حول مرحلتين من تلك الأحداث اولها التغيير وهنا يكون السؤال ماذا سيعمل المستفيد وبماذا يفكر المتضرر؟ واذا عرفنا الإجابة المعقولة فلن نحتاج إلى الصراخ والشتائم والتأويلات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي لا توافق الا هوى اصحابها . اما المرحلة الثانية من الأحداث وهي مرحلة فوضى ما بعد التغيير فمؤكد انها مرتبطة بمن يستفيد من إثارة الفوضى والفتن ومن يستفيد من اطفاؤها لتثبيت أركان وضعه الجديد الذي لم يُسمح له حتى بِجَر نَفَسَهُ كما يقال ليكشف عن حقيقة هويته ونواياه بعد ما حصل عليه من انجاز بغض النظر عن تاريخه الذي يشك به معارضيه ويمجده مؤيديه والطريقة التي وصل بها إلى هذا الإنجاز وبما إن السيدين الحاقدين على العروبة سايكس وبيكو قد ابدعا في تنويع المجتمع في كل قطر عربي بعد انجاز خارطتهما اللعينة في تجزئة الوطن العربي وجعلا من هذا التنوع ناراً تحت الرماد يمكن اشعالها عند الحاجة بدلا من ان يكون مجموعة من الوان الطيف التي تضيء سماء الوطن في اي قطر ورغم أنهما كانا يخططان لان تكون شعلة تلك النار بأيديهما ومن يليهما مستقبلا إلى آخر الزمان إلا إن الكثير من الأطراف الدولية القريبة والبعيدة تمكنت من استغلال تلك النيران النائمة تحت ذلك الرماد كل حسب مشاريعه واجنداته ، وما يدور الان في عموم الساحة العربية والسورية بشكل خاص دليل على كل ما تم ذكره آنفاً ، وما يقوم به الكيان الصهيوني اليوم هو البرهان الاوضح على استغلاله لهذه الفتن اللعينة التي أسس لها سايكس وبيكو سنة ١٩١٦ واليوم تؤتي كل أكلها التي تم التخطيط لها منذ ذلك الوقت إلى اليوم.
عليه فإن لم ينتبه المواطن العربي بكل اديانه ومذاهبه والمواطنين الاخرين المتآخين معه من القوميات العزيزة الاخرى بكل اديانها ومذاهبها لما يدور حولهم من تآمر والاعيب لا تخدم الا الأعداء الخارجيين وما اكثرهم اليوم والطامعين في أرضهم وثرواتهم على حساب دماء الشعب العربي وكل من ساكنهم وشاركهم الأرض والسماء والماء والهواء والمصير من القوميات المتنوعة الاخرى المتآخية فيما بينها ومع العرب منذ كانت الأمة الإسلامية دولة واحدة إلى أن بدأ الطامعون بتنفيذ نواياهم في إثارة هذه الفتن في اتفاقية سايكس - بيكو سيئة الصيت لإضعاف الأمة وبالتالي السيطرة عليها وعلى ثرواتها واذلال اهلها ، اقول ان لم ينتبه كل أولئك الساكنين في ارض العرب بكل اطيافهم والوانها الدينية والعرقية الجميلة ، فإن النهاية ستكون أبشع مما يتخيله أذكى العقول واعتى المفكرين .