مسرحية.. وبطلها النسيان
كامل عبدالرحيم
بالأمس كتبتُ قصيدةً على حائط الليل الرملي، ثم نسيتها على بابه. في الصباح، وكان يفرش حدائقه لفيروز، واللصوص الغافلين، وبائعات الحليب، ودافعي عربات الحمل الخالدين، بحثتُ عنها، فما وجدتها. تلاشت مثل عمودٍ من النور على شاطئ النسيان.
وهذه القصيدة الضائعة، أو الأغنية المنسية، هي أنت. بل هي كل العابرين الذين مرّوا على درب الوجود دون إثارة غبار. بل هي الغبار المتساقط من فكرة الله. الله فكرة، والموت فكرة، والحقيقة مجموعة أفكار، لكنك فكرة منسيّة، والأفكار تموت من النسيان.
وشاعر الجنة وشاعر العدم قرر العودة، أو القهقرى، لكن الجمهور وجده متلبساً. لم تنفع طبقات شحمه الجديدة في إخفاء ملامحه، ولا عباءته بقماشها الإيطالي الفاخر. وجده الجمهور في ذات المكان الذي سرق فيه الثورة أول مرة. لم يرجمه أحد، لكن حجارة الرصيف بصقت عليه.
وهذا المكان يعجّ باللصوص، لصوص ظرفاء يسرقون أفكار بعضهم لشنقها في المقاهي. وأنت لص مثلهم. وجدتَ كل ما سرقته عملةً ساقطةً لا تكفي حتى لدخول المقهى.
وفي مقهى آخر، كنت تنتظر. تنتظر الثورة كما تدّعي. وفي حانةٍ يضيئها شاعر كتب آخر قصائده بدمه، كان موعد الانطلاق. لم تكن واشياً، ولم تكن بخيلاً، فدفعت حساب الرفاق الشهداء. ولم تكن كريماً، ولم تكن ثائراً، ولا خائناً بالطبع. كنتَ فكرةً على الطريق. ضاع الطريق، وماتت الفكرة.
وصفّق الجمهور وهتف:
عاش النسيان… عاش… عاش.
ورغم علاقتي المحدودة بالوسط الفني، والتي قد لا تتجاوز صداقتي للأستاذ مقداد عبد الرضا، إلا أني أعتبر إقبال نعيم صديقتي.
وفي أوائل الثمانينات، قال لي صديقي سليم عبد الزهرة إنه تحدث مع إقبال نعيم عني، وأنها تريد التعرف علي. كان ذلك بداية تألقها كنجمة. وفعلاً، جاءت إقبال مع سليم إلى مكان عملي، ووقعت صداقتنا بابتسامتها المتميزة.
ولم ينتهِ الأمر هنا. مرّة أخرى، مرّت لوحدها أمام المكان، ومع ذات الابتسامة المشرقة لوّحت لي بيدها، وتوجّهت إلى شارع النهر. ولم يحصل جديد. ما حصل أنها لم تكتفِ بالوصول إلى شارع النهر، بل عبرت نهر الحياة إلى ضفّتها الأخرى، وهي ضفّة الحق والجمال والبقاء.