الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بعد 22 عاماً.. اقتصاد العراق إلى أين؟  وما الذي يكشفه الواقع ؟

بواسطة azzaman

بعد 22 عاماً.. اقتصاد العراق إلى أين؟  وما الذي يكشفه الواقع ؟

رشيد العجيل

 

بعد أكثر من عقدين على التغيير السياسي في العراق عام 2003، لا يزال الاقتصاد العراقي يراوح مكانه، بل يتجه نحو مزيد من الأزمات والاختناقات. ذلك نتيجة تراكم سياسات فاشلة للحكومات المتعاقبة، وتعمق التدخلات الخارجية، خاصة الدور الأمريكي الذي عزز عوامل الفشل أكثر من معالجتها.

العراق ظل منذ عقود يعتمد على النفط كمصدر شبه وحيد للإيرادات بنسبة تتجاوز 90%، فيما أُهملت الزراعة والصناعة والخدمات وتعرضت للانهيار. قبل 2003 استنزفت الحروب والحصار موارد الدولة دون أي تخطيط اقتصادي حقيقي أو استراتيجية لتنويع الدخل أو تطوير البنى التحتية.

ثم جاء الاحتلال الأمريكي ليجهز على ما تبقى من ركائز الدولة حيث تم حل الجيش وتفكيك المؤسسات وفرض الحاكم المدني سياسة الانفتاح غير المدروس ما أغرق الأسواق بالبضائع المستوردة وأطلق الخصخصة بشكل فوضوي وهو ما دمر ما تبقى من الإنتاج المحلي الصناعي والزراعي. بالتوازي رسخ الاحتلال نظام المحاصصة الطائفية فتحولت الوزارات إلى أدوات تمويل للأحزاب والمليشيات بدل أن تكون مؤسسات تخدم الشعب.

نتج عن هذا المسار اقتصاد هش عاجز عن الاستقلال المالي أو التنمية المستدامة. مليارات الدولارات صُرفت على قطاع الكهرباء دون تحسن ملموس، الزراعة بقيت ضحية الإهمال والمناخ المتقلب، أما الصناعة فانهارت أمام موجات الاستيراد المفتوح. القطاع المالي بقي أسير المصارف الحكومية الضعيفة ومصارف أهلية عليها شبهات الفساد وسط غياب إصلاحات حقيقية لبيئة الاستثمار أو الشمول المالي.

ولم تكن الحوادث المأساوية سوى تجسيد لهذا الفساد المالي والأخلاقي. فحادثة احتراق السوق التجاري في مدينة الكوت، التي راح ضحيتها أكثر من 69 إنساناً بسبب مبانٍ مشيدة دون إجازات رسمية وبمواصفات بناء رديئة، ليست سوى صورة صارخة لفوضى الإدارة وانعدام الرقابة والضمير. كما أن استمرار التلوث البيئي وأزمة ملوحة المياه التي تهدد صحة وحياة الملايين يعكس فشل الدولة في أبسط مسؤولياتها تجاه شعبها في ظل سياسات المحاصصة ونهب الأموال العامة.

سياسياً بقي النظام الهش القائم على صفقات القوى المتنفذة بديلاً عن الدولة الوطنية ذات المشروع التنموي. الموازنات المتضخمة كانت حلولاً وقتية لمعالجة أزمات متجددة وظل الاعتماد الأعمى على النفط يجعل الاقتصاد قابلاً للانهيار مع كل انخفاض في الأسعار.

إن تجاوز هذا المأزق يتطلب قيادة وطنية جادة في مواجهة الفساد السياسي والمالي والأخلاقي وقراراً حاسماً لإعادة بناء الدولة على أسس وطنية واقتصاد متنوع ومستدام. العراق بحاجة إلى شراكات استراتيجية مع دول ليس لديها أجندات سياسية ولديها خبرة في إعادة الإعمار والبناء الشامل كألمانيا في التنمية، اليابان في التكنولوجيا، الدول الاسكندنافية وماليزيا في الحوكمة، الصين في تطوير البنية التحتية، ومجلس التعاون  الخليجي في تحسين بيئة الأعمال.

العراق لا يفتقر إلى المال أو الكفاءات لكنه يفتقر إلى قيادة وطنية حاسمة تدرك أن بقاء الوضع على ما هو عليه يعني استمرار الحوادث المؤلمة مثل كارثة الكوت ومعاناة البصرة وتهديد مستقبل البلاد بأكمله


مشاهدات 105
الكاتب رشيد العجيل
أضيف 2025/07/19 - 1:38 AM
آخر تحديث 2025/07/19 - 8:48 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 608 الشهر 12301 الكلي 11165913
الوقت الآن
السبت 2025/7/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير