فاتح عبد السلام
هناك حقيقتان ماثلتان من غير توضيح كافٍ في الوضع الأمريكي الإيراني الذي يشهد المواجهة التاريخية حول الملفات الكبرى في مسقط.
الحقيقة الأولى، هي انّ ما يجري لا يتوافر على مصطلح توصيفي دقيق، فمَن يقول انها “محادثات” فإنه يصف حالة عن عرض وجهات النظر في قضايا مصيرية وحساسة، وانّ الترتيبات والاستعدادات وحتى « التهديدات» لا توحي بأنّ ذلك كله من اجل هذه الغاية.
أمّا الذي يقول انها “مفاوضات”، فإنّ المسألة تحتاج الى أفق زمني كبير جداً ليتناسب مع مجمل القضايا والمطالب الواسعة المعروضة، ولا يمكن ان يقوم جانب من جانبي المفاوضات وهو الأمريكي بوضع سقف زمني محدد بمهلة الشهرين فقط للوصول الى اتفاق، ذلك انّ اية مفاوضات تحتاج الى تفرعات عديدة ذات طابع تقني ولجان تنفيذية واستشارية، وهذا أمر لا يظهر في الأفق حتى هذا اليوم، ولو ظهر في الايام اللاحقة فإنّه سيستغرق زمناً يتجاوز سقف الشهرين حتماً، وقد يمتد الزمن التفاوضي الى سنة او سنتين، هي طبيعة المفاوضات الدولية عادة قبل الوصول الى اتفاقات، فكيف في وضع استثنائي بين الولايات المتحدة وايران، حيث تحف به الاساطيل والبوارج وقاذفات بي 52.
أمّا الحقيقة الأخرى، فهي انّ الطرف الامريكي يمثله ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس ترامب وأحد الأقطاب في عالم الاقتصاد والمال، وهو في المحصلة ليس سياسياً حرفياً بقدر كونه مُنفذ سياسات ذات نقاط منتهية ومقطوعة وغير قابلة للتغيير الجوهري. في حين نرى انّ الايراني عباس عراقجي الذي تمرس طويلا في مفاوضات الملف النووي طوال أكثر من عقد من الزمان، يأتي حاملاً صلاحيات كاملة بحسب ما جرى تداوله، وهذا لو صحّ فيدل على انه مخوّل من المرشد الإيراني الأعلى بما سيعرضه او يجيب عنه، وهذا الامر يعني من جانب آخر انّ الطرف الإيراني قد حزم أمره على التعامل مع “ثوابت” في الجوهر ايضاً في سياق ظاهري متحرك.
ثمّة عدم تناسب بين المخوّلين في التفاوض وحجم القضية التي تعني الحرب الشاملة المدمرة او السلام النهائي، فليس هناك في النهاية منطقة وسطى يمكن أن يمضي كل طرف اليها كما كانت الأمور تجري في السنوات الماضية. حقاً ليس لترامب وقت زائد، فهذا الرئيس فجّر عدداً من القضايا، لكنه لم يحسم أياً منها بعد، فقد بذل ما بوسعه من تعهدات لانهاء حرب روسيا وأوكرانيا فيما انها تشتد من دون علامة على نهايتها. وهو أيضا تعهّد انهاء حرب إسرائيل على قطاع غزة وجرى تجديدها بعنف ولم تطبق المرحلة الثانية من الهدنة. كما انّه أعلن الرسوم الجمركية التي قلبت الأسواق العالمية رأسا على عقب، ثم نزل الى عتبة التفاوض الثنائي لكل حالة على انفراد باستثناء واحد مع الصين.
وهنا في مسقط ألزم نفسه بمهلة الشهرين للوصول الى اتفاق مع ايران، ولكن ما هي البدائل لو تمدد الزمن؟ وهل تتوافق اسرائيل مع ذلك؟ وكيف سيبدو شكله اذا جرى ضرب المهلة عرض الحائط من دون أن يحدث شيء؟